الدكتوراه



فيما يلي موجز عن الرسالة، يتضمن الفهرس والمقدمة والخاتمة.






أثر ثورات الربيع العربيّ في النزاعات الانفصاليّة
The Impact of the Arab Spring Revolutions on Separatist Conflict
دراسة مُقدَّمة للحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسيّة


  إعداد:
عبد القادر أحمد نعناع

إشراف:
أ.د. محمد صفي الدين خربوش




2017





موجز

أتت هذه الدراسة في فترة ما عرف بثورات الربيع العربي، مترافقة بجملة اضطرابات، من أبرزها ارتفاع مستوى حراك الجماعات والفاعلين دون الدولة، سواء بشكله الإثني (العرقي والديني)، أو الجهوي والقبلي، ضمن حراك اتسم بتوجهات ثلاثة: حراك انفصالي، وآخر إثني، وثالث اجتماعي مطلبي. ووفق ذلك، سعت الدراسة إلى تبيان طبيعة الحراكات التي قامت فترة الدراسة (2011-2014)، ومقوماتها، وتوجهاتها، وذلك وفق الاقتراب البنائي الوظيفي.
وسعى الفصل الأول لتبيان مقومات تشكل نزعة انفصالية، ومساراتها، وآليات إدارة المجتمعات متعددة الثقافات، إضافة إلى تبيان طبيعة التركيبة الاجتماعية في الدول العربية، والأزمات القائمة في بنية هذه الدول، بحيث شكلت هذه الأزمات عاملاً مثقلاً للحركات الاحتجاجية من جهة، والمطالب الإثنية والنزعات الانفصالية من جهة أخرى.
وانطلاقاً من فرضية أن هناك علاقة طردية بين ثورات الربيع العربي والنزاعات الانفصالية، سعت هذه الدراسة في فصولها الثلاثة اللاحقة إلى دراسة حراك 11 حالة/جماعة في العالم العربي، وهي: الحوثيون، شيعة البحرين، العلويون، النزعة الجهادية السنية في سورية والعراق، شيعة العراق، مسيحيو مصر، الأكراد، أمازيغ المغرب، الجماعات الليبية، جنوبيو اليمن، صحراويو المغرب.
وذلك من خلال دراسة أثر المتغيرات التالية لكل جماعة: مكانة الجماعة الإثنية في الدولة، وحجمها، وجغرافيتها، ودور النخب الإثنية ومطالبها، وسلوكيات الجماعات الإثنية تجاه الحراك الاحتجاجي، وسلوكياتها بعد الحراك الاحتجاجي، وسلوك السلطة تجاهها (في حال كانت الإثنيات خارج السلطة)، وأدوات الجماعات الإثنية وطروحاتها ومستقبلها، والأدوار الخارجية في هذه الطروحات.
ومن خلال دراسة أثر المتغيرات بشكلٍ منفردٍ عما سواها، ظهرت النتائج وفق اتّجاهين أساسين، حيث ظهر في الاتجاه الأول، متغيرات ذات تأثيرٍ مباشر وواضحٍ في النزعات الإثنيّة والانفصاليّة، فيما كان لمتغيرات الاتجاه الثاني آثارٌ متباينةٌ في نتائجها (أثر غير مباشر)، أثناء دراستها بشكلٍ منفصلٍ عمّا سواها من متغيّرات.
ومن خلال اختبار فرضية الدراسة في المطلب الأخير، وصل الباحث إلى أنّ ثورات الربيع العربيّ، أدّت إلى ارتفاع مستوى التعصّب الإثنيّ، بكافّة مستوياته (وظهر ذلك على مستوى الخطاب والممارسة)، ولجوء كثيرٍ من الأفراد والجماعات، إلى هويّاتٍ دون وطنيّة، في المرحلة اللاحقة، وخصوصاً أنّ ذلك ترافق في غالبيّة نماذج الدراسة، مع تراجع سلطة الدولة ووظيفتها الحمائيّة للمجتمع، وانخفاض قيمة الهويّة الوطنية مقابلها. وهي أسبابٌ أدّت غالباً، إلى إعادة تعريف الذات والآخر وفق الهويّة الإثنيّة، لا الوطنيّة، ما وضع الجماعات الإثنيّة في مواجهة بعضها البعض، أو في مواجهة الدولة، وخصوصاً مع وجود أزماتٍ داخل بنية الدولة العربيّة، ظهرت نتائجها مترافقةً مع بعضها البعض، ما أعطى انطباعاً أنّ الثورات هي مسبِّب تلك الأزمات.
مخطّط الدراسة

المقدّمة...............................................................................................د-ص

الفصل الأوّل: عوامل نشأة النزاعات الانفصاليّة وآليّات إداراتها.....................................1
        المبحث الأوّل: محدِّدات النزعات الانفصاليّة.........................................................2
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزعة الانفصالية وأدوارها...........................................3
                المطلب الثاني: آليّات إدارة المجتمعات متعدّدة الثقافات.....................................18
        المبحث الثاني: التكوينات الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة وأثرها في التكامل القوميّ................35
                المطلب الأوّل: التكوينات الاجتماعيّة وأثرها في بناء الدولة العربيّة..........................36
                المطلب الثاني: أثر بنية الدولة العربيّة في النزاعات الإثنيّة..................................46

الفصل الثاني: النزعات الانفصاليّة للجماعات الدينيّة والمذهبيّة في العالم العربيّ................60
        المبحث الأوّل: دور العامل المذهبيّ في النزعة الحوثيّة في اليمن..................................61
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزعة الحوثيّة.....................................................62
                المطلب الثاني: تطوّرات النزعة الحوثيّة بعد احتجاجات 11 شباط/فبراير 2011.............66
        المبحث الثاني: دور العامل المذهبيّ في النزعة الشيعيّة في البحرين...............................75
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزعة الشيعيّة في البحرين.........................................76
                المطلب الثاني: تطوّرات النزعة الشيعيّة بعد احتجاجات 14 شباط/فبراير 2011.............80
المبحث الثالث: دور العامل المذهبيّ في النزعتين العلويّة والجهاديّة السنيّة في سوريّة.............89
المطلب الأوّل: مقوِّمات النزعة العلويّة بعد احتجاجات 15 آذار2011......................90
المطلب الثاني: مقوّمات النزعة الجهاديّة السنيّة بعد احتجاجات 15 آذا 2011.............102
المبحث الرابع: دور العامل المذهبيّ في النزاع الشيعيّ-السنيّ في العراق.........................113
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزاع الشيعيّ-السنيّ في العراق..................................114
                المطلب الثاني: تطوّرات النزاع الشيعيّ-السنيّ في العراق بعد عام 2011..................119
المبحث السادس: دور العامل الدينيّ في النزعة المسيحيّة في مصر.............................126
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزعة المسيحيّة في مصر.......................................127
                المطلب الثاني: تطوّرات النزعة المسيحيّة في مصر بعد عام 2011.......................131

الفصل الثالث: النزعات الانفصاليّة للجماعات العرقيّة في العالم العربيّ..........................139
المبحث الأوّل: دور العامل العرقيّ في النزعة الكرديّة في سوريّة والعراق..........................140
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزعة الكرديّة...................................................141
                المطلب الثاني: تطوّرات النزعة الكرديّة بعد عام 2011...................................147
المبحث الثاني: دور العامل اللغويّ-العرقيّ في النزعة الأمازيغيّة في المملكة المغربيّة.............160
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزعة الأمازيغيّة في المغرب.....................................161
                المطلب الثاني: تطوّرات النزعة الأمازيغية بعد احتجاجات 20 شباط/فبراير 2011.........169

الفصل الرابع: النزعات الانفصاليّة للجماعات القبليّة والجهويّة في العالم العربيّ................174
المبحث الأوّل: دور العامل القبليّ-الجهويّ في النزعات الليبيّة...................................175
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزاعات القبليّة والجهويّة في ليبيا.................................176
                المطلب الثاني: تطوّرات النزاعات الليبيّة بعد احتجاجات 17 شباط/فبراير 2011...........181
المبحث الثاني: دور العامل الجهويّ في النزعة الجنوبيّة اليمنيّة..................................190
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزاع الجهويّ في اليمن..........................................191
                المطلب الثاني: تطوّرات النزعة الجنوبيّة بعد احتجاجات 11 شباط/فبراير 2011...........198
المبحث الثالث: دور العامل الجهويّ في النزاع في إقليم الصحراء المغربيّ........................204
                المطلب الأوّل: مقوِّمات النزاع في إقليم الصحراء المغربيّ..................................205
                المطلب الثاني: الموقف الحكوميّ من القضية الصحراويّة وأفق حلها.......................211

الفصل الخامس: تطبيقات متغيّرات الدراسة وفرضيّاتها............................................215
المبحث الأوّل: التطبيقات على مستوى بنية الجماعة الإثنيّة ومطالبها ومكتسباتها................216
                المطلب الأوّل: التطبيقات على مستوى النزعة الإثنيّة ومكتسباتها...........................217
                المطلب الثاني: التطبيقات على مستوى البنية الإثنيّة ودور العامل الخارجيّ................222
المبحث الثاني: التطبيقات على مستوى المتغيّرات المستقلّة والتابعة (اختبار فرضية الدراسة).........230
                المطلب الأوّل: التطبيقات على مستوى إدارة النزاعات الإثنيّة...............................231
                المطلب الثاني: التطبيقات على مستوى فرضيّة الدراسة....................................235

الخاتمة................................................................................................242

المصادر والمراجع....................................................................................250



المقدّمة

تتّسم الدول المعاصرة، ببنائها على قاعدة الدولة-الأمّة منذ مؤتمر وستفاليا 1648، باعتبارها تمثيلاً سياسيّاً لاستقلال الجماعة العرقيّة ضمن حدودٍ سياسيّةٍ-قوميّة، لم تتوافق غالباً مع الحدود الإثنيّة. إذ إنّ غالبيّة هذه الدول، تضمّ تنوُّعاً اجتماعيّاً إثنيّاً وثقافياً، يصعب معه تحديد دولةٍ ذات بِنيَةٍ إثنيّةٍ خالصة. حيث شكّلت هذه الدول تعبيراً عن امتلاك جماعةٍ إثنيّةٍ عناصر القوّة والوعي التي أهّلتها لفرض توجّهاتها القوميّة، في عمليّة البناء الأولى للدولة، على كافّة الجماعات الإثنيّة الأخرى داخل الحدود السياسيّة-القوميّة، كما أدّت هذه الحدود إلى تقسيم جماعات إثنيّةٍ أخرى بين عدّة دول، في حين لم تمتلك تلك الإثنيّات (الداخليّة أو المُقسَّمة) عناصر القوّة الكافية أو الوعي اللازم حينها أو الدعم الخارجيّ المُسانِد، للحصول على كيانها السياسيّ-القوميّ، وغالباً ما اتّسمت بصفة الأقليّة في دولها.
ويبقى حقّ تقرير المصير، حقّاً مقرَّراً لكلّ جماعةٍ إثنيّة تمتلك مقوِّمات إنشاء كيانٍ سياسيٍّ خاصٍّ بها، غير أنّ إطلاق هذا الحقّ دون ضوابط أو حدودٍ له، في ظلّ التعدّد الثقافيّ الذي تشهده غالبيّة الدول المعاصرة، قد يعني تقسيم العالم إلى كياناتٍ صغيرة، تفتقر إلى الكثير من الوظائف المناطة بها، كالاكتفاء الذاتيّ والدفاع عن الذات، تدفعها إلى إعادة طرح موضوع التوحيد ثانية (فدراليّات وكونفدراليّات). عدا عن أنّ حدود هذا التقسيم تبقى غير واضحة، إذ سرعان ما ستظهر تمايزاتٌ ثقافيّةٌ جديدةٌ في الدول المقسَّمة، يُطَالِب أصحابها بإعادة رسم الحدود السياسيّة-القوميّة للدول، كما قد يُخلِّف التقسيم نزاعاتٍ بين الجماعات الإثنيّة على قاعدة اختلاف تفسيرات الحقوق الجغرافيّة والتاريخيّة والثقافيّة لكلّ جماعة.
ورغم أنّ النزاعات التي نشأت عقب قيام الدولة القوميّة، كانت نزاعاتٍ ذات طابعٍ دوليٍّ بين الوحدات السياسيّة-القوميّة (الدول-الأمم)، على حقوق تمثيل سكان المناطق الحدوديّة، باعتبارهم جزءً من الأمّة، إلّا أنّ مسار هذه النزاعات تحوّل شيئاً فشيئاً إلى داخل الدولة-الأمّة، وخصوصاً عقب نهاية الحرب الباردة، وتفكُّك الاتّحاد السوفيتيّ، والتوقّف المرحليّ للنزاع الدوليّ بين القوى الكبرى، وتفرُّغ كثيرٍ من الدول لإعادة تحديث بنياتها الداخليّة، وخاصةً مع ترافق ذلك بقيامٍ كياناتٍ جديدةٍ ناتجة عن انهيار المنظومة الاشتراكيّة. إذ شهدت الفترة اللاحقة لانتهاء الحرب الباردة، ازدياد حدّة النزاعات الإثنيّة، ورغم قدرة بعض الدول على معالجة المسائل الإثنيّة وفق أطرٍ سلميّةٍ أدّت إلى تقسيمها إلى دولتين أو أكثر (تشيكوسلوفاكيا)، إلّا أنّ نماذج أخرى أكثر انتشاراً، شهدت نزاعاتٍ تحوّلت في بعضها إلى حربٍ أهليّة (يوغسلافيا، سيراليون، جورجيا)، ويتمثّل أحدث نماذجها في أوكرانيا (شرقاً وجنوباً)، أدّت في كثير من الأحيان إلى إعادة رسم الحدود السياسيّة وتقسيم الدول، وترافقت هذه النزاعات بتدخّلاتٍ خارجيّةٍ إقليميّةٍ ودوليّة، لأسبابٍ تتعلّق بالارتباط الإثنيّ بأحد أطراف النزاع، أو لأسبابٍ مصلحيّة.
وتُعتَبر الدولة العربيّة، دولةً حديثة النشأة، تبعاً للحدود السياسيّة القائمة، التي اعتُبِرت إحدى أبرز الأزمات التي تواجهها، سواءً لناحية التقسيم الاستعماريّ للجماعة القوميّة (العرب) إلى عدّة كياناتٍ سياسيّة، وحرمانهم من بناء الدولة-الأمّة الخاصّة بهم، أو لناحية ضمّ جماعاتٍ إثنيّةٍ أخرى داخل هذه الحدود، لم تسمح لها القوى الاستعماريّة بإنشاء كياناتها الخاصة بها. وكرّست الدولة العربيّة (القطريّة) تلك الأزمة، بدفاعها عن حدودها في مواجهة عمليّات التوحيد، أو في مواجهة إعادة ترسيمها بما يتّفق مع البعد الإثنيّ، معتمدةً الآليّات السلطويّة القمعيّة غالباً في إدارة التنوّع الإثنيّ والثقافيّ.
وأدّى ذلك إلى عدّة نزاعاتٍ داخل الدولة العربيّة، دفعت إلى حروبٍ أهليّة (لبنان والسودان واليمن والصومال)، ومطالب انفصاليّة (إقليم الصحراء في المغرب، وجنوب السودان)، أو نزاعاتٍ سياسيّةٍ أو عسكريّةٍ حول الحكم الذاتيّ (الأكراد في العراق)، أو حول مطالب المساواة وإقرار الحقوق الإثنيّة (الأمازيغ في المغرب العربيّ والأكراد في سوريّة). استطاعت من خلالها بعض الجماعات تحقيق مطالبها (إقليم كردستان العراق، دولة جنوب السودان)، في ظلّ دعمٍ خارجيّ، في حين اضطرّت أخرى وتحت الضبط السلطويّ، إلى الانكفاء وتأجيل طروحاتها، حتى قيام فرصةٍ سياسيّةٍ مناسبةٍ لإعادة طرح مطالبها.
تشكَّلت هذه الفرصة من خلال ما شهده العالم العربيّ منذ نهاية عام 2010 ومطلع عام 2011، من حركاتٍ مجتمعيّةٍ احتجاجيّةٍ في عدّة دولٍ عربيّة، ضمن ما عُرِف بثورات الربيع العربيّ، وأعادت طرح كافّة الإشكاليّات المتعلِّقة ببِنيَة الدولة، وشكل الحكم فيها، وشكل الدولة، وهُوِيّتها. حيث اعتبرت العديد من الإثنيّات في العالم العربيّ، أنّ الثورات تُشكِّل مدخلاً سياسيّاً مناسباً لتفعيل مطالبها (فرصة سياسيّة)، من خلال الآليّات الاحتجاجيّة، وصولاً إلى استخدام العنف في مواجهة الدولة.

وتسعى هذه الدراسة إلى تناول الأثر الذي تركته الثورات العربيّة في نزعات الجماعات، ومقوّماتها الانفصاليّة، من خلال البحث في البنى الاجتماعيّة المُشكِّلة للدولة العربيّة إثنيّاً، والوظائف التي تشتغل عليها هذه البنى ضمن المتغيّرات المستحدَثة عقب الثورات العربيّة، ودوافعها الانفصاليّة، والآليّات المعتمدة من قبل الجماعات والنظم الحاكمة في معالجتها، بحثاً عن مخارج قد تحفظ للدولة العربيّة استمراريّتها، وتؤدّي إلى إحداث تكاملٍ اجتماعيٍّ بين كافّة المكوّنات الإثنيّة، مع الحفاظ على حقوق تلك المكوّنات.

المشكلة البحثية:
تتمثّل المشكلة الرئيسة لهذه الدراسة في البحث عن المتغيّرات الدافعة للنزعة الانفصاليّة التي تشهدها عدّة دولٍ عربيّة، وتحوّلها إلى حالة نزاعٍ انفصاليٍّ مع الدولة. وذلك من خلال التساؤل في مدى ارتباط تلك المتغيّرات بالثورات/الاحتجاجات العربيّة، أو عن دور تلك الثورات/الاحتجاجات في تعزيز هذه النزعات. والتي بدأت تظهر بشكلها العنفيّ والمسلّح في أكثر من حالة، فيما استطاعت حالات أخرى إدارة هذه النزعات بشكلٍ سلميّ، رغم تقارب محدِّدات الحالات مع بعضها البعض. حيث تسعى مشكلة الدراسة، إلى تفسير الظاهرة التالية:
لماذا شهدت المنطقة العربية المزيد من النزعات الانفصالية بعد ما سُمِّي بالربيع العربي؟
وفيما يسعى هذا البحث -وفق عنوانه- إلى دراسة النزاعات الانفصاليّة في العام العربيّ، فإنّ الباحث توجّه إلى دراسة نزعة الجماعات، باعتبارها أساس النزاعات القائمة أو المحتملة، بحيث تبحث مشكلة الدراسة، في ماهيّة المسبّبات والمقوّمات التي قد تؤدّي إلى تحوّل حراك إحدى الجماعات إلى نزعةٍ انفصاليّةٍ أو نزاعٍ لاحقٍ (أهليٍّ أو انفصاليّ) مع الجماعات الأخرى داخل الدولة العربيّة.
وتواجه مشكلة هذه الدراسة، بروز شكلين أساسيّين من النزعات، يقوم القسم الأكبر منها على قواعد إثنيّة (عرقيّةٍ أو دينيّةٍ أو ثقافيّة)، فيما تبرز نزعات أخرى مستندةً إلى قواعد سياسيّةٍ أو تاريخيّةٍ أو إقليميّة، أي أنّها تبقى غير إثنيّة (قبليّةٍ وجهويّة)، إلّا أنّ الشكلين يتقاطعان في مسبّبات ومقوّمات حراكهما، لذا تسعى مشكلة الدراسة إلى تبيان النقاط المشتركة بين الشكلين.
وحيث شهدت فترة الدراسة، تزايد الحركات الاحتجاجيّة، فإنّ مشكلة الدراسة تمتدّ للبحث في تفسير الظاهرة الثانية، وهي:
هل هناك علاقة ٌبين تزايد ظهور الحركات الاحتجاجيّة، وتزايد النزعات الانفصاليّة، في العالم العربيّ؟

الأهميّة النظريةّ/العلميّة للدراسة:
تُمثِّل هذه الدراسة إضافةً فكريّةً إلى الدراسات السابقة المتعلِّقة بدراسة التكامل/النزاع الإثنيّ في العالم العربيّ، وتتشكَّل هذه الإضافة من خلال دراسة تطوّرات مسار النزعات الانفصاليّة عقب بروز متغيّر الثورات العربيّة، وما قدَّمه لها من مجالٍ لإعادة تعريف قضاياها، وتفعيل أدواتها الانفصاليّة. حيث تتميّز هذه الدراسات عن الدراسات السابقة بأنّها طرحت جملة متغيّراتٍ تتعلّق ببنية الدولة العربيّة وبنية الجماعات، ودور العامل الخارجي، للكشف عن حجم الأثر الذي تركته الحركات الاحتجاجيّة في مستوى التعصّب الإثنيّ. كما تدرس أثر آليّات الأنظمة السياسيّة العربيّة أثناء مواجهتها الحركات الاحتجاجيّة في مسار النزعات الإثنيّة، وما ترتّب عليها من نزاعاتٍ أهليّة. وصولاً إلى الكشف عن دور العوامل (الدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة والعرقيّة واللغويّة والقبليّة والجهويّة) في تلك الاحتجاجات، وأثر هذه العوامل في بروز نزعاتٍ انفصاليّةٍ من قبل عدّة جماعاتٍ إثنيّة.
كما تبرز أهميّتها في أنها تأتي مواكِبَةً لحركيّة الحدث الثوريّ/الاحتجاجي، وتداخلاته الإقليميّة والدوليّة، بما يسمح بدراسة الأثر المباشر للمتغيّرات، بمعنى مراقبة كيفيّة تحوّل الفعل الاحتجاجيّ الابتدائيّ إلى جملة نزاعاتٍ يحمل بعضها توجّهاتٍ انفصاليّة. حيث تكشف هذه الدراسة عن بروز نزعاتٍ إثنيّةٍ جديدة، لم تكن قائمة قبل الحركة الاحتجاجيّة (النزعات الجهويّة الليبيّة)، وتطوّراً في الوعي الإثنيّ لدى أخرى (أمازيغ المغرب)، يؤهِّلها لتحويل هذا الوعيّ إلى فعلٍ سياسيّ، وبداية طرح مطالب انفصاليّة. فيما تحوّلت جماعاتٌ أخرى إلى استخدام العنف للاستحصال على مطالبها (الأكراد في سوريّة والحوثيّون في اليمن).
كما تدرس دور الأزمات القائمة في بنية الدولة العربيّة في تلك النزاعات، حيث زاد انكشاف تلك الأزمات عقب انهيار الضبط السلطويّ للدول التي شهدت ثوراتٍ أو حركاتٍ احتجاجيّة، وتحديداً تلك التي شهدت سقوط الأنظمة الحاكمة أو انهيار شرعيّتها، وتعثّر قيام أنظمةٍ جديدة (اليمن وليبيا وسورية). إضافة إلى أثر هذه الأزمات في هُوِيّة الأفراد والجماعات داخل الدولة العربيّة، وفي تشكُّل نزعاتهم الانفصاليّة.

أسئلة الدراسة:
بناءً على إشكاليّة الدراسة، تنبني عدّة أسئلةٍ فرعيّةٍ مترابطةٍ بها، تُشكِّل في مجملها كافّة المحاور التي تسعى الدراسة إلى تناولها، وهي:
-       ما هو تأثير الثورات العربيّة في النزعات الدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة؟
-       ما هو تأثير الثورات العربيّة في النزعات العرقيّة واللغويّة؟
-       ما هو تأثير الثورات العربيّة في النزعات القبليّة والجهويّة؟

فرضيّات الدراسة:
إنّ الفرضية الرئيسة التي يبني الباحث عليها هذه الدراسة، هي:
هناك علاقةٌ طرديّةٌ بين ثورات الربيع العربيّ والنزعات الانفصاليّة في الدول العربيّة
أي أنّ الباحث يفترض أنّ ارتفاع مستوى الحراك الاحتجاجي/الثوري، قد يقود إلى ارتفاع مستوى النزعة الإثنيّة ومطالبها، وصولاً إلى مرحلة تحوّلها إلى نزعةٍ انفصاليّة. ومنه يفترض الباحث أنّ مستوى الحراك الاحتجاجيّ يتدرج من المستوى الأدنى المتمثِّل في حركاتٍ مطلبيّةٍ وفئويّةٍ (اجتماعيّةٍ واقتصاديّة)، إلى مستوى الحراك الاحتجاجيّ ذي المطالب السياسيّة، لينتقل إلى حراكٍ ذي مطالب ثوريّة (الإطاحة بالنظم السياسية وتغييرها)، على أنّ هذه المستويات غالباً ما تظلّ سلميّة. لتشهد أعلى مراحلها في تحوّل الحراك إلى حراكٍ مسلّحٍ أو مواجهةٍ مسلّحةٍ مع السلطة أو حرباً أهليّةً بين مكوّنات المجتمع.
وعليه، فإنّ الباحث يضع فرضيّات مشتقّة من الفرضيّة الرئيسة، وهي:
-       توجد علاقةٌ طرديّةٌ بين ثورات الربيع العربيّ والنزعات الانفصاليّة الدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة.
-       توجد علاقةٌ طرديّةٌ بين ثورات الربيع العربيّ والنزعات الانفصاليّة العرقيّة.
-       توجد علاقةٌ طرديّةٌ بين ثورات الربيع العربيّ والنزعات الانفصاليّة القبليّة والجهويّة.

مفاهيم الدراسة:
أ-المفاهيم الاسمية:
يُعدّ الانفصال تحدّياً للسلطة السياسيّة، وهو جهدٌ للنأي بالذات عن مجال سلطة الدولة، عبر إعادة رسم حدود الدولة. ويمكن التمييز بين أنواعٍ مختلفةٍ من الانفصال، منها: انفصالٌ ثقافيّ عبر الانغلاق على الذات وفق ادّعاءات التمايز عن الآخر، وبناء ثقافةٍ محليّةٍ في تضادٍ يتصادم مع ثقافة الدولة ويعاديها. وانفصالٌ اقتصاديٌّ عبر بناء اقتصادٍ محليٍّ غير معتمدٍ على الدولة، ومرتبطٍ بعلاقاتٍ خارج حدودها. لكنّ هذه النماذج لم يعد لها وجودٌ يذكر في الدول المعاصرة، ليبرز مقابلها نموذج تبنّي أقليّاتٍ ما فكرة الانفصال السياسيّ، اعتماداً على تصحيح مظالم تاريخيّةٍ، أو وفقاً لادّعاءاتٍ عرقيّةٍ أو دينيّة أو جهويّة، تسوقها نخب الجماعات وليس الأفراد، والسعي إلى إقامة كيانٍ خاصٍّ بها (حكم ذاتيّ، أو دولة مستقلّة).
وعليه يعرِّف الباحث النزعة الانفصاليّة بأنّها "حركةٌ سياسيّةٌ ومجتمعيّةٌ، ذات طبيعةٍ إثنيّة، تقودها نخبٌ داخل دولةٍ قوميّة، ترمي إلى إعادة تعريف الذات في مواجهة الآخر، بناءً على الانتماء الإثنيّ، مستحضِرةً الأبعاد التاريخيّة للهُوِيّة الإثنيّة، ومعزِّزةً آليّات تمايز الذات، وساعيةً إلى إنشاء دولةٍ-أمّةٍ (دولةٍ قوميّة)، في إطارٍ جغرافيٍّ مقتطعٍ من دولةٍ أو عدّة دول، معتمِدةً على أدواتٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ وعسكريّةٍ وثقافيّة، في عملية تحشيد الجماعة الإثنيّة، وفي مواجهة الدولة (أو الأغلبيّة) المهيمِنة على الإقليم المراد فصله، وفي مواجهة الجماعات الإثنيّة الأخرى".
وغالباً ما ترتبط هذه النزعة الإثنية ([1])، بقوى خارجيّةٍ توفِّر لها شرعيّةً سياسيّةً دوليّة، وإسناداً عسكريّاً واقتصاديّاً، حيث لا يمكن إعلان دولنة إقليمٍ ما دون الاستحصال على اعترافٍ دوليٍّ قانونيٍّ واسع (إذ يبقى الاعتراف السياسيّ منقوصاً)، وقد يقود هذا الاعتراف إلى تحوّل النزعة الانفصاليّة إلى نزاعٍ مسلّحٍ مع الحكومة المركزيّة، تحت مبرِّراتٍ قانونيّةٍ دوليّةٍ تتمثّل في: حماية السيادة الوطنيّة من جهة الحكومة، أو حقّ تقرير المصير من قبل الجماعات الإثنيّة الدافعة نحو الانفصال.

ب-المفاهيم الإجرائية:
ويرى الباحث أنّ هناك شكلين لإدارة المسألة الانفصاليّة للجماعات الإثنيّة، يدخل الأوّل ضمن الأشكال الحديثة للدول، وهو الشكل اللامركزيّ سياسيّاً، حيث اعتمدته كثيرٌ من دول العالم ذات التنوّع الإثنيّ، بغية إحقاق المساواة في المواطنة من جهة، والحفاظ على الدولة من جهةٍ أخرى، ولعلّ أبرز هذه الأشكال نجاحاً في العالم الثالث، والإسلاميّ خاصة، النموذج الماليزيّ في إدارة التنوّع البشريّ لديها. أمّا الشكل الآخر، فهو انفكاك إقليمٍ ما عن الدولة، في صيغة دولةٍ أخرى، قائمةٍ بحدّ ذاتها. غير أنّ الوصول إلى هذا النموذج، قد يسبقه مؤشِّراتٌ إجرائيّةٌ، منها:
-       تشكيل أحزابٍ ذات صبغةٍ إثنيّة، وخطابٍ انفصاليّ.
-       إنشاء تحالفاتٍ خارجيّةٍ مستقلّةٍ عن الدولة.
-       ارتباطٌ اقتصاديٌّ مع قوى خارجيّةٍ دون الخضوع لسلطة المركز (اتفاقيّات، استيراد وتصدير، استثمارات، ...).
-       إنشاء قوى مسلّحةٍ محليّةٍ خارج سلطة المركز.
-       محاولة إقامة حكمٍ ذاتيٍّ بصورةٍ أحاديّةٍ خارج سلطة الحكومة المركزيّة.
-       نزاعاتٌ مسلّحةٌ قد تبلغ حدّ الحرب، بين الجماعات الانفصاليّة والدولة، أو في صيغة حروبٍ أهليّةٍ بين المكوِّنات المجتمعيّة للدولة.
-       قد تلجأ الأقليّة الإثنيّة إلى فرض هيمنتها على الدولة، عبر استغلال لحظة انهيار السلطة الحاكمة أو ضعفها، وتوظيف الدولة لتعزيز مقوِّمات إقليمها.
ويمكن تصنيف النزعات الانفصاليّة، وفق ثلاثة مستوياتٍ رئيسة، هي:
-       المستوى الأوّل: النزعات الدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة.
-       المستوى الثاني: النزعات العرقيّة واللغويّة.
-       المستوى الثالث: النزعات القبليّة والجهويّة.

اقتراب الدراسة:
تستخدم الدراسة الاقتراب البنائيّ-الوظيفيّ، عبر تحديد العناصر الاجتماعيّة (الإثنيّة) المكوِّنة لبِنيَة الدولة العربيّة المدروسة (البناء الاجتماعيّ)، والوظائف التي تؤدِّيها هذه العناصر، إمّا بالتكامل أو بالتعارض مع بعضها، متأثِّرة بالنتائج التي خلقتها ثورات الربيع العربيّ، ومُشكِّلةً مخرجاً يدفع في بعض حالات الدراسة إلى تفكيك الدولة العربيّة إلى عدّة دولة، من خلال نزعاتٍ انفصاليّةٍ إثنيّة. في حين يتطلّع الباحث إلى إيجاد الآليّات التي من شأنها تحقيق وظيفة (التكامل الاجتماعيّ) بين المكوِّنات الإثنيّة للدولة، والحفاظ على بنية النسق (الدولة العربيّة)، وليس الحفاظ على بنية النظام السياسيّ فيها، مع تغييرٍ تدريجيٍّ في بنية النسق باتّجاه أشكالٍ جديدةٍ من المشاركة بين أطرافه.
حيث يقوم هذا الاقتراب على ركيزتيّ العناصر التي تُكوِّن البنية أو النسق (البنائيّة)، والوظائف التي تؤدِّيها هذه العناصر (الوظيفيّة)، وذلك باعتبار المجتمع أو الدولة أو العينة المدروسة (مهما كان حجمها)، نسقاً يتكوّن من عدّة أجزاءٍ متكاملةٍ في بنيتها ووظائفها، وأيّ تغييرٍ يطرأ على أحد العناصر الرئيسة المكوِّنة للنسق، تؤثِّر في بقيّة الأجزاء، وتُغيِّر النسق من طورٍ إلى آخر. كما تتكامل الوظائف التي تقوم بها هذه العناصر، على أنّها قد تكون ظاهرةً ومباشرة، أو كامنة، وقد تؤدِّي أدواراً بنائيّةً وأخرى تهديميّة. ويدرس ألموند G. Almond هذه العلائق من خلال تحديد أربعة مساراتٍ للنسق: بنية النسق من وحدات، والوظائف التي تؤدِّيها هذه البنية، وأسلوب أدائها، والقدرات التي تملكها، معتبراً إيّاها أبعاد المتطلّبات الوظيفيّة ([2]).
حيث يتكوّن النظام السياسيّ عند ألموند من عددٍ من الأبنية التي تؤدّي عدداً من الوظائف (مثل أجهزة الجسم البشريّ التي تؤدّي عدداً من الوظائف)، فإذا كانت هذه الأبنية متوافقةً وتعمل بشكلٍ جيدٍ (وظيفيّ)، تمتّع النظام بالاستقرار وأدّى وظائفه بكفاءة، وإلّا كان غير وظيفيٍّ أي لا يؤدّي وظائفه بكفاءة.
وتعتقد البنائيّة-الوظيفيّة بوجود نظامٍ قيميٍّ أو معياريٍّ تُسيِّر البنى الهيكليّة للمجتمع (أو العينة المدروسة)، ويقسِّم هذا النظام العمل على الأفراد، ويحدِّد واجبات وحقوق كلّ فرد، وأساليب اتصاله، ومنه بالتالي الوظائف التي يقوم بها. كما تحدِّد أنّ هناك نظام اتصالٍ أو علاقاتٍ إنسانيّةٍ تمرَّر من خلاله المعلومات والإيعازات من المراكز القياديّة إلى المراكز القاعديّة، أو بالعكس، فيما يُشكِّل الاتّفاق على القيم العامل الرئيس في خلق التكامل الاجتماعيّ.
ويدرس هذا الاقتراب نماذجه من خلال تحديد المدخلات الرئيسة للعمليّة المقصود دراستها (سياسيّة، أو اقتصاديّة، أو اجتماعيّة)، والمخرجات الناشئة عنها، وما بينهما من عمليّة معالجةٍ لتلك المدخلات. على أن تُشكِّل المخرجات عبر عمليّة التغذية الرجعيّة (العكسيّة) مدخلاتٍ مرّةً أخرى، تقوم بإعادة ضبط العلاقة بين العناصر المكوِّنة للنسق، بغية تحقيق التوازن فيما بينها، حيث غالباً ما يرنو هذا الاقتراب إلى الحفاظ على النسق المدروس، وإحداث التغيير فيه بطريقةٍ تدريجيّة، ويأتي هذا التغيير من تلاؤم النسق وتكيّفه، والنموّ الناتج عن الاختلاف الوظيفيّ والتجديد والإبداع. وكما أنّ التوازن قائمٌ داخل النسق، فإنّه من الممكن نشوء الاختلال والقصور الوظيفيّ داخل النسق كذلك.
ويتجلّى تطبيق الاقتراب البنائيّ-الوظيفيّ في هذه الدراسة، من خلال تحديد البنى الاجتماعيّة للدولة العربيّة، ممثَّلةً بالتركيبة الاجتماعيّة الإثنيّة (الجماعات الدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة والعرقيّة واللغويّة والقبليّة والجهويّة)، باعتبارها عناصر النسق المدروس، يُفترَض به التكامل ضمن الدولة الواحدة، وهي الوظيفة التي تؤدِّيها هذه التركيبة/العناصر أو البنى داخل الدولة. وباعتبارها المدخلات الرئيسة للدراسة، حيث تتمّ معالجة الوظائف التي تؤدّيها هذه البنى الاجتماعيّة ضمن الدولة العربيّة، من خلال آليتي:
-       تفاعلها مع الحدث الناشئ عقب عام 2011 ضمن البيئة العربيّة، ويظهر هذا التفاعل باتجاهين، الأوّل باتجاه الإثنيّات أو البنى/العناصر الأخرى للدولة، والثاني باتّجاه السلطة التي تدير العلاقات البينيّة داخل الدولة (وظيفيّة السلطة).
-       أما الآليّة الأخرى، فهي آليّة معالجة السلطات العربيّة للحدث الاحتجاجيّ وأثره في البنى الاجتماعيّة العربيّة (الإثنيّات)، سواءً بما يؤدي إلى تعزيز التكامل القومي بينها داخل الدولة، أو إلى تهديمه.
وتُشكِّل هاتان الآليّتان ما عبّر عنه ألموند بـ (أسلوب الأداء) للبنى في الاقتراب البنائيّ-الوظيفيّ. أمّا المسار الرابع الذي حدّده ألموند بـ (القدرات التي تمتلكها البنى)، فيظهر من خلال دراسة حجم الجماعة الإثنيّة المدروسة في الدولة، وطبيعة خطاباتها وتفضيلاتها النخبويّة والمجتمعيّة، وأشكال حراكها، وأدوات هذا الحراك، ومكاسبها، التي سيدرسها الباحث في كلّ نموذج، وفق أسلوب المقارنة.
على أنّ أيّ تغييرٍ يطرأ في إحدى البنى الاجتماعيّة (الإثنيّة) في الدولة العربيّة، سيؤثِّر في البنى الأخرى، وفي الوظائف المنوطة بالبنى الاجتماعيّة ككلّ. سواءً كان هذا التغيير باتجاه المشاركة السياسيّة ومزيدٍ من الإدماج للبنيّة الاجتماعيّة في الدولة، وهو ما يؤدّي إلى تعزيز وظيفتها في التكامل القوميّ/الوطنيّ، بالتعاون مع البنى الأخرى. أو باتجاه قمعها أو تهجيرها أو ارتكاب مجازر بحقّها أو إقصائها عن المشاركة في الشأن العامّ، وهو ما قد يؤدّي إلى إلغاء هذه الوظيفة أو تغييرها باتجاه وظائف جديدة (انفصاليّة أو عنفيّة أو تسلطيّة)، بشكلٍ يهدم التكامل القوميّ/الوطنيّ المنشود.
وحيث يتطلّع أحد الأهداف الرئيسة لهذا الاقتراب، للحفاظ على بنية النسق (الدولة العربيّة)، دون إحداث تغييراتٍ جذريّة فيه، إنّما تدريجيّة، بما يرتقي به باتجاه أشكالٍ أكثر استقراراً، فإنّ الباحث يسعى لطرح سيناريوهاتٍ (مخرجاتٍ محتملة)، خاصّةٍ بكلّ حالةٍ من حالات الدراسة، توضّح أفضل السبل للحفاظ على بنية النسق (الدولة العربيّة)، في مقابل ما يواجهه من سيناريوهاتٍ بديلةٍ (مخرجات أخرى)، قد تدفع إلى تفكيك النسق كاملاً أو إلى إحداث أزماتٍ تعيق عمليّة التكامل القوميّ فيه، وتمنع بنيته من أداء هذه الوظائف، أو تؤدّي إلى تعارض وظائفها فيما بينها، وصولاً إلى حالة النزاع (الأهليّ أو الانفصاليّ).
وحيث يعزِّز المخرج الأوّل استقرار النسق، فإنّ المخرجات النزاعيّة التي قد تنجم عن هذا التعارض، تعود لتُشكِّل من خلال تغذيتها الرجعيّة، تهديماً للنسق/الدولة، ولطبيعة العلاقات بينها وبين المدخلات الأخرى، محدِثَةً خللاً في التوازن الوظيفيّ، ودافعةً المكوِّنات الإثنيّة للنسق/الدولة، إلى اختيار وظائف وأدواتٍ جديدة، تُعلِي من قيمة نزعتها، وتتعارض مع العناصر الأخرى (الإثنيّات)، مطيحةً في النهاية بالمخرج المنشود (استمراريّة الدولة).

أطر الدراسة (الإطار الزمنيّ):
يمتدّ الإطار الزمنيّ للدراسة ليشمل الفترة (2011-2014) بشكلٍ رئيس، حيث يعتمد الباحث شهر كانون الأوّل/ديسمبر عام 2010، تاريخ انطلاق الثورة التونسيّة التي اعتُبِرت فاتحة ثورات الربيع العربيّ، بداية النطاق الزمنيّ لهذه الدراسة. فيما يحدّد الباحث نهاية عام 2014، ختاماً لهذا النطاق؛ لما شهده من تغيّراتٍ في المشهد السوريّ والعراقيّ واليمنيّ تحديداً، لناحية بروز وتمدُّد تنظيم الدولة الإسلاميّة، والانقلاب العسكريّ الحوثيّ على السلطة، إضافةً إلى انتهاء الفترة الانتقاليّة في مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وما تركته هذه المتغيّرات من أثرٍ في موضوع الدراسة. على أنّ هذه الدراسة لا يمكن أن تقطع كليّاً مع ما سبقها، لذا يضطر الباحث في غير موضع، إلى اللجوء إلى إطارٍ زمنيٍّ أسبق، للاستدلال والاستكمال وتوضيح ما يتمّ طرحه، أو عبر إطارٍ زمنيٍّ لاحقٍ لاستدراك حركيّة موضوع الدراسة.
الدراسات السابقة:
يشهد موضوع البحث، عدّة دراساتٍ سابقة، يتمثل أبرزها في مجموعةٍ واسعةٍ من الدراسات النظريّة في التكامل القوميّ، شكَّلت بمجملها إطاراً نظريّاً عمد الباحث إلى إجراء مقاطعة فيما بينها، والخروج بمحدِّدات نزعة الجماعة الإثنيّة وأدواتها وتفضيلاتها. كما ساعدت هذه الدراسات في تحديد سبل إدارة المجتمعات متعدِّدة الثقافات أو الإثنيات إدارةً سلميّة. وقد عمد الباحث إلى استخلاص جملة العوامل البنيويّة في الجماعة الإثنيّة، باعتبارها متغيّرات، تحتاج إلى اختبارٍ وتطبيقٍ على حالات الدراسة. في ظلّ متغيّر "ثورات الربيع العربيّ"، وهي الإضافة الأساسية التي شكّلتها هذه الدراسة إلى الدراسات السابقة.
إضافة إلى مجموعةٍ أخرى من الدراسات النظريّة المتعلّقة ببنية الدولة العربيّة وأزماتها، وخصوصاً في مسائل التكامل القوميّ والهويّة، وقد عمد الباحث إلى إجراء مقاطعة فيما بينها، كما في سابقتها، للخروج بمتغيّراتٍ إضافيّةٍ واختبارها، كما ساعدت في تحديد البنى الاجتماعيّة (الإثنيّة) في العالم العربيّ، وهي التي شكّلت حالات الدراسة.
وتتمثّل أبرز الدراسات السابقة، على تنوّعها، فيما يلي:
1-  دراسةٌ بعنوان "إشكاليّة التعدُّديّة في الفكر السياسيّ المعاصر: جدليّة الاندماج والتنوّع" ([3]):
وهي دراسة أكاديميّةٌ (رسالة دكتوراه)، تناول فيها مجيد تحليل آليّات تشكّل الدولة-الأمّة وتطوّرها، وإدارة التعدّد الثقافيّ فيها، وأهمّ الأزمات التي تواجهها، مع التركيز على مشروع كيملكا لبناء الدولة متعدِّدة الثقافات. ويدرس فيها باحثها مميّزات الدولة الحديثة مقارنةً بالدولة القديمة، من خلال تناول آليّات الهُوِيّة وأدوات الإكراه والتجانس السياسيّ والثقافيّ، لينتقل إلى تبيان مراحل بناء الدولة-الأمّة، وكيفيّاتها ونتائجها. وعليه يقدِّم تحليلاً لأبرز تفسيرات أزمة الدولة-الأمّة المعاصرة، من الناحية السيكولوجيّة والسلطويّة والعولميّة، تمهيداً لظهور نظريّة التعدّديّة الثقافيّة، من خلال طرح أبرز النقاشات المعاصرة حولها، وعلاقتها بالليبراليّة.
ويركّز باحثها على دور الليبراليّة في إدارة التنوّع الثقافيّ في الدول المعاصرة، حيث يقوم بتحديد الأساس الفلسفيّ فيها للتعامل مع التنوّع الثقافيّ، من منطلق العدالة عند راولز وكيملكا، والعدالة الإثنيّة عند كيملكا، ومقارنة آراء المفكِّرين حول ذلك. وتتجلّى فكرة الليبراليّة عنده بأنّها حينما تستهدف خلق الانسجام والتلاحم الداخليّ إنّما تستهدف بذلك التوفيق بين البناء الاجتماعيّ وأسسها الفكريّة؛ لإدراك دعاتها أنّ استمراريّة تنوّع هذا البناء ثقافيّاً، وتباينه داخليّاً، ستؤدِّي إلى جعله مصدر تهديدٍ جدّ كبيرٍ للبناء السياسيّ وأساسه الفكريّ معاً. وقد خصّص فصلاً لدراسة نموذج كيملكا في بناء الدولة متعدِّدة الثقافات، من خلال آليتيّ الاندماج والتسامح، مع دراسة آليّات معالجة أزمة الدولة-الأمّة بالتركيز على دور الفدراليّة في ذلك.
استفاد الباحث من هذه الدراسة في تبيان أهمّ آليات بناء وإدارة الدول متعدِّدة الثقافات، وخصوصاً في العالم الغربيّ (النموذج الكنديّ)، إلّا أنّ هذه الدراسة تظلّ ضمن الإطار النظريّ، بحيث أنّه لم يقم فيها تطبيقٌ واسعٌ على حالاتٍ أخرى، يمكن فيها اختبار صحّة النظريّات المطروحة، وخصوصاً في العالم العربيّ، كما أنّها لم تحدِّد المتغيّرات المؤثِّرة في النزعة الإثنيّة. لتتشكَّل الإضافة الفكريّة إليها، من خلال هذه الدراسة، عبر توسيع الحالات باتّجاه العالم العربيّ أولاً، وتوسيع قائمة المتغيّرات المؤثِّرة في موضوع الدراسة ثانياً، وتطبيقها عبر أسلوب المقارنة، لتبيان أثر كلّ متغيّر، لاختبار صحّتها ومدى تأثيرها. كما أنّها تدرس الحالات وفق إطارٍ نزاعيٍ نشأ في العالم العربي بعد عام 2011، وليس وفق أطر الإدارة السلميّة للتعدّد الثقافيّ.

2-  دراسةٌ بعنوان "نظريّات القوميّة: مقدمة نقدية" ([4]):
تُعتَبر هذه الدراسة تطويراً لدراسةٍ أكاديميّةٍ سابقةٍ (رسالة دكتوراه) لـ أوزكيريملي، تعرض دليلاً مرشِداً لأهمّ المناقشات المعاصرة عن الأمّة والقوميّة (الحداثيّة وما بعد الحداثيّة)، مع إعطاء مساحةٍ مهمّةٍ للنظريّات الكبرى (الماركسيّة والليبراليّة) وتحديثاتها الفكريّة حول موضوع القوميّة. وتؤكِّد أنّ ما يحدِّد الحركات والأيديولوجيّات والسياسات المختلفة هو أنّها تستخدم كلّها الإطار المرجعيّ نفسه. وتقترح الدراسة أيضاً أنّ أفضل طريقةٍ لفهم القوميّة هي المقاربة "البنائيّة الاجتماعيّة"، بوصفها، في آنٍ معاً، ظاهرةً سياسيّةً وثقافيّةً ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة اليوميّة المعيشة، وتتّصل اتّصالاً راسخاً ومستمراً ومباشراً بواقع العالم المعاصر.
وتحلّل الدراسة المذاهب والمقاربات الفكريّة التي طرحها أبرز المنظِّرين القوميّين منذ القرن الثامن عشر حتى أوائل القرن الحادي والعشرين. وتخلُص إلى أنّ السمة المشتركة للقوميّة تتمثّل في أسلوب خطابها ومحتواها، اللذان يروِّجان فكرة الأولويّة المطلقة لمصالح الأمّة، بوصفها المصدر الوحيد للشرعيّة، والمحدِّد الأوحد للهُوِيّة والولاء والمسؤوليّة والمعايير، أمّا فاعليّة الخطاب القوميّ فتعتمد على استعماله الاجتماعّي اليوميّ. كما تقدم نقداً لنظريات القوميّة، مستعرِضةً أبرز الانتقادات التي وُجِّهت للمقاربات الجديدة.
وهي كما الدراسة السابقة التي اطلّع عليها الباحث، تبقى ضمن الإطار النظريّ، بل يكاد يغيب الإطار التطبيقيّ بشكلٍ شبه كاملٍ عنها (باستثناء بعض الاستدلالات في طيّ الطروحات)، وقد أفادت الباحث في تحديد الأساس الفكري الذي يبني عليه دراسته، حيث استفاد الباحث كثيراً من طروحات أنتوني دي سميث Anthony D. Smith في (المقاربة الإثنيّة الرمزيّة لتشكُّل الأمم)، والتي وجد أنّها من أكثر الطروحات اقتراباً من فهم أسس تشكّل الأمّة، أو تحوّل الجماعات الإثنيّة إلى أمّة، وسبل سعيها إلى ذلك. وعمد الباحث إلى توظيف ما طرحه سميث، من خلال تطبيقه على حالات الدراسة، لتكون الإضافة الفكريّة في هذه الدراسة، إضافةً تطبيقيّة، واختباراً لعوامل سميث، والتي أثبتت هذه الدراسة أثرها بعضها، فيما لم يظهر أثر أخرى.

3-  دراسةٌ بعنوان "المسألة الطائفيّة ومشكلة الأقليّات" ([5]):
يقدم فيها برهان غليون مقاربةً لتشكّل العصبيّات الطائفيّة والعرقيّة في الدول العربيّة، ودور النظم السياسيّة العربيّة في توظيف هذه العصبيّات لخدمة استمراريّة إحكامها على الدول. كاشفاً عن العلاقة بين الوطنيّة والديمقراطيّة، ورابطاً تشكّل هُوِيّةٍ جامعةٍ لكلّ شرائح المجتمع بالحالة الديمقراطيّة. وحمّل مسؤوليّة الحالة العصبويّة التي تشهدها الدول العربيّة للأنظمة والنخب السياسيّة معاً، في إطار سعيها للتخلّص من مسؤوليّاتها تجاه بناء دولٍ حديثة. كما تناول دور القوى الغربيّة في استغلال الأقليّات في الدول العربيّة، أثناء التحضير للتدخّل في المنطقة، مؤكِّداً على أنّ مسألة الأقليّات ليست مقتصِرةً في البلاد العربية على مشكلات الأقليّات الدينيّة، فهناك أقليّاتٌ عرقيّةٌ تطرح من المشكلات ما لا يمكن حلّه في إطار المفاهيم والممارسات الراهنة للسياسة العربيّة، وتتجاوز غالباً ما تطرحه مسألة الأقليّات الدينيّة. ويرى أنّ مسألة الأقليّات والمسائل الطائفيّة، رهنٌ بحلّ مسألة تغيير السلطة واستيعاب الدولة للتطوّرات الدائمة التي تحصل على صعيد القوى الاجتماعيّة.
حيث اختصّت دراسة غليون، بالبيئة العربيّة، وهو ما ساعد الباحث في فهمٍ أوسع للتركيبة الاجتماعيّة الإثنيّة في العالم العربيّ، ومقوّمات وأسباب النزاعات الإثنيّة فيه. إلّا أنّ هذه الدراسة لم تتناول حالاتٍ تطبيقيّة، إلّا في إطار الاستدلال على الطروحات، وهو ما ساعد الباحث في أن تأتي دراسته مكِّملةً لهذه الدراسة لناحية التطبيق في العالم العربيّ.
وفيما تصدر دراسة غليون في طبعتها الثانية عقب اندلاع الاحتجاجات العربيّة، فإنّه غاب عنها تأثير هذه الاحتجاجات في البنى الاجتماعيّة العربيّة وفي سلوك الأنظمة العربية تجاهها، لتظلّ –في جزءٍ مهمٍّ منها- دراسةً نظريّةً سابقةً للمتغيّر الجديد في العالم العربيّ. وذلك أتاح للباحث العمل على اختبار ما طرحه غليون من جهة، ومقاطعتها بالدراستين السابقتين، لإضافة عوامل أخرى، وخصوصاً عبر مزيدٍ من دراسة دور العامل الخارجيّ الذي لم يتعمّق غليون فيه بشكلٍ كافٍ.
4-  دراسةٌ بعنوان "النزاعات الدينيّة والمذهبيّة والعرقيّة (الإثنيّة) في الوطن العربيّ" ([6]):
تحلِّل هذه الدراسة مجموعة العوامل التي أدّى تضافرها إلى جعل قضيّة النزاعات الإثنيّة في العالم العربيّ إحدى القضايا المزمنة لدولها، بالتعامل مع مفهوم النزاع بوصفه "كلّ تفاعلٍ سلبيٍّ بين الجماعات الإثنيّة المختلفة، سواء أكان تفاعلاً عنيفاً أو صداماً سياسيّاً". وتشمل هذه العوامل الخلل في أسلوب إدارة التنوّع الثقافيّ، وردود فعل الجماعات الإثنيّة، إضافةً إلى دور البيئة الخارجيّة الإقليميّة والدوليّة في هذه النزاعات. وتتناول الدراسة عدّة حالاتٍ من النزاعات الطائفيّة تشمل كلاًّ من العراق واليمن والبحرين ولبنان، وذلك على مستوى النزاع السنيّ-الشيعيّ، والنزاع الإسلاميّ-المسيحيّ، وما أدّت إليه من ارتفاع في تكلفتها البشريّة. وتطرح الدراسة عدّة آليّاتٍ لاحتواء النزاعات الطائفيّة في العالم العربيّ، تشمل: الديمقراطيّة التوافقيّة، والفدراليّة، والتقسيم.
تشكِّل دراسة مسعد إحدى أبرز الدراسات قرباً من هذه الدراسة، وخصوصاً أنّها قامت في ذات البيئة المدروسة، وبذات المنهج، واستناداً إلى ذات العوامل التي سعى الباحث إلى اختبارها، على أنّ الباحث وسّع من تلك العوامل، واختبرها في ظلّ فترةٍ زمنيّةٍ لاحقةٍ ومتمِّمةٍ لدراسة مسعد (التي يقع إطارها في الفترة السابقة لعام 2009)، أي قبل الحدث الاحتجاجيّ. ولعل أبرز الإضافات التي طرحها الباحث عن دراسة مسعد، هو دراسة بنية الجماعات الإثنيّة وتفضيلاتها. وتتشكَّل الإضافة الأخرى إليها، بعدم الاكتفاء بالمجال التطبيقيّ، بل ربطه مسبقاً بإطارٍ نظريّ، يظهر أثره في نتائج الدراسة.

5-  دراسةٌ بعنوان "تشريح أزمات الدولة العربيّة" ([7]):
يقسِّم فيها حمزاوي الدول العربيّة حسب الأزمات التي تشهدها إلى ثلاثة مجموعات: الأولى تلك التي تشهد احتمال انهيار وفشل الدولة أو فشلها فعليّاً (اليمن، السودان، الصومال)، وتعاني الثانية من وجود قوى لا دوليّةٍ تنازع الدولة أدوراها (لبنان والعراق)، فيما تعاني الثالثة تفاوتاً بين حداثة التركيب والبنى الاقتصاديّة من جهةٍ وتقليديّة الأنظمة من جهةٍ أخرى (دول الخليج العربيّ). موضِّحاً مفاهيم فشل الدول وانهيارها، والأسباب الدافعة إلى ذلك، إضافةً إلى السلع الرئيسة التي ينبغي على الدولة توفيرها.
استفاد منها الباحث في تحديد بعض الأزمات التي تمرّ بها الدولة العربيّة، لتتشكَّل الإضافة في اختبار أثر هذه الأزمات في موضوع الدراسة. على أنّ دراسة حمزاوي لم تمنح البعد الإثنيّ تحليلاً وافياً باعتبار أنّ أسلوب إدارته يُعتَبر أحد أسباب التأزّم في بنية الدولة العربيّة، وهي إضافةٌ أخرى قدّمها الباحث في هذه الدراسة. عدا عن أنّ دراسة حمزاوي تقع في إطارٍ زمنيٍّ سابقٍ لهذه الدراسة، وهو ما أتاح للباحث اكتشاف مزيدٍ من الأزمات وتطبيقاتها في العالم العربيّ.

6-  دراسةٌ بعنوان "بين إخفاقات البناء وتعطّل الاندماج" ([8]):
يبحث فيها النجار أسباب إخفاقات بناء الدولة العربيّة، وأسباب تعطّل الاندماج الاجتماعيّ فيها، مقارباً الشروط التي حكمت تكوُّن الدولة العربيّة، وهشاشة شرعيّتها، ما جعلها تعزِّز سيطرتها التسلطيّة على المجتمع. كما يبحث في آليّات الإقصاء والتهميش الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ التي شهدتها الدول العربيّة، ضمن الأطر: القانونيّة والأنظمة الدستوريّة، والطبيعة الثقافيّة والسياسيّة لبرامج الدولة. موضِّحاً أسباب الشعور الجمعيّ بالاضطهاد والمظلوميّة، وتضخم "التضامنات الإثنيّة" العرقيّة والدينيّة والقبليّة.
غير أنّ دراسة النجار، اعتمدت على العنصر التاريخيّ أكثر منه على المتغيّرات اللاحقة، وقدّمت كثيراً في الإطار النظريّ دون تطبيقاته. فيما استفاد الباحث من هذه الدراسة في تحديد أسباب تعطّل الاندماج بين المكوِّنات الإثنيّة للبنية العربيّة، وأتت الإضافة في هذه الدراسة تطبيقيّةً على العوامل التي ذكرها النجار من جهة، وإضافةً أخرى تبحث في التركيبة الاجتماعيّة للدولة العربيّة وبنيتها وأثرها في عملية الاندماج، عدا عن تطبيق المتغيّرات الواردة في دراسة النجار والمتغيّرات المُضافة إليها في الإطار الزمنيّ بعد عام 2011.

7-  دراسةٌ بعنوان "نموذج قياس النزعة الانفصالية للأقليات في العالم العربي" ([9]):
يبحث وليد عبد الحي في تحديد المتغيّرات التي تُعزِّز النزعة الانفصاليّة كظاهرة سوسيو-سياسيّة، وذلك برصد 32 دراسةً سعت بمنهجٍ كميٍّ إلى تحديد المتغيّرات المشار إليها، حيث راوح عدد الأقليّات التي أُخضِعت للدراسة 52 أقليّةً في الحدّ الأدنى، و338 في الحدّ الأعلى. ويرصد 27 متغيّراً (مؤشِّراً) تُعبِّر عن حركة هذه المتغيّرات في مستوياتها المختلفة، ليصوغ نموذجاً كميّاً لقياس النزعة الانفصاليّة لدى أقليّات العالم العربيّ. كما يحدِّد أبرز الإثنيّات وأوزانها في العالم العربيّ. غير أنّ دراسة عبد الحي، تبقى ضمن الإطار النظريّ، حيث استعرض فيها النظريّات والمتغيّرات والنتائج التي توصّلت إليها، دون تطبيقها أو اختبارها على الحالات العربيّة، وقد عمد الباحث إلى الاستفادة من بعض المتغيّرات التي رصدتها الدراسة السابقة، وإجراء اختبار لها على حالات الدراسة، واختبار أثر الحركات الاحتجاجيّة في هذه المتغيّرات.

تقسيم الدراسة:
تقع هذه الدراسة في مقدّمةٍ وخمسة فصولٍ وخاتمة. بحيث حدَّدت المقدِّمة الأطر البحثيّة التي سيعتمدها الباحث في إنجاز دراسته، ابتداءً من أهميّة الدراسة، ومشكلتها وأسئلتها، والفرضيّات البحثيّة التي سيتمّ اختبارها، والتعاريف الاسميّة والإجرائيّة. وكذلك اقتراب الدراسة، وأبرز الدراسات السابقة.
ويُشكِّل الفصل الأوّل من هذه الدراسة إطاراً نظرياً، يدرس عوامل نشأة النزعة الانفصالية، ودراسة المسار الانفصاليّ والأدوات المستخدمة من قِبَل الجماعات الإثنية في ذلك. كما يدرس آليّات إدارة المجتمعات متعدِّدة الثقافات، ضمن ثلاث آليّاتٍ رئيسة، تتمثّل في: الديمقراطيّة والعدالة وأشكال الحكم غير المركزيّ. كما يدرس هذا الفصل أبرز التكوينات الاجتماعيّة في العالم العربيّ، وأثرها في مشروع بناء الأمّة، وأثر بنية الدولة العربيّة في التكامل القوميّ وبروز نزاعات انفصاليّة، وذلك على عدّة مستويات.
وتسعى الفصول الثلاثة اللاحقة لدراسة عدّة حالاتٍ في العالم العربيّ، من خلال دراسة مؤشرات: حجم الجماعة الإثنيّة المدروسة، وطبيعة خطاباتها وتفضيلاتها النخبويّة والمجتمعيّة، وأشكال حراكها وأدواته، وبنية البيئات التي تقوم فيها، والأدوار السلطويّة تجاهها، وأثر الفعل الاحتجاجي في توجّهاتها، ودورها في الحراك الاحتجاجي، ومستقبل النزاع والجماعة الإثنيّة في النموذج المدروس. وذلك وفق التقسيم التالي ([10]):
الفصل الثاني: دور العوامل الدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة في النزاعات الانفصاليّة: ويدرس حالات (النزعة المذهبيّة الحوثيّة في اليمن، والنزعة المذهبيّة الشيعيّة في البحرين، والنزعة الطائفيّة العلويّة في سوريّة، والنزعة المذهبيّة الجهاديّة السنيّة، والنزعة المذهبيّة في النزاع الشيعيّ-السنيّ في العراق، والنزعة الدينيّة المسيحيّة في مصر).
الفصل الثالث: دور العوامل العرقيّة واللغويّة في النزاعات الانفصاليّة: ويدرس حالتي (النزعة العرقيّة الكرديّة في سوريّة والعراق، النزعة العرقيّة-اللغويّة الأمازيغيّة في المغرب).
الفصل الرابع: دور العوامل القبليّة والجهويّة في النزاعات الانفصاليّة: ويدرس حالات (النزعة القبليّة-الجهويّة لدى القبائل الليبيّة، النزعة الجهويّة لدى جنوبيّ اليمن، النزعة الجهويّة لدى صحراوييّ المغرب).
ويخصص الباحث الفصل الخامس والأخير، لاختبار متغيّرات الدراسة وفرضياتها في الحالات المدروسة، وذلك من خلال دراستها على مستوى بنية الجماعات الإثنيّة ومطالبها ومكتسباتها، وعلى مستوى البنية الإثنيّة ودور العامل الخارجيّ، وعلى مستوى المتغيّرات المستقلّة والتابعة (اختبار فرضيّة الدراسة)، ويختبر المتغيّرات على مستوى فرضيّة الدراسة.
فيما ستوضّح الخاتمة أهمّ النتائج البحثيّة التي تمّ التوصّل لها خلال مجريات الدراسة واختبار فرضيّاتها.






الخاتمة

شكَّلت هذه الدراسة بحثاً في النزعات الإثنيّة، ومقوِّماتها وأدواتها وتوجّهاتها، وآليات إدارتها من قبل الآخر (السلطة، المجتمع)، في فترة ثورات الربيع العربيّ (2011-2014)، من خلال اختبار جملة متغيّرات، ودراسة أثر كلٍّ منها في شكل النزعات الإثنيّة، والنزعات المضادّة لها، وما ترتّب عليها من نزاعات انفصاليّة. ورغم بعض جوانب القصور التي قد تظهر في أجزاءٍ من هذه الدراسة، إلّا أنّها حاولت أن تواكب الحدث الاحتجاجيّ/الثوريّ غير المُنجَز بعد، وارتداداته الإثنيّة، بحيث تشكِّل الإضافة التي قدمتها جزءً من التراكم التاريخيّ المعرفيّ، للمسارات السياسيّة في العالم العربيّ.
ويشير مايكل كيتنغ Michael Keating إلى أنّ أغلب الحركات القوميّة داخل الدول، في أوروبا وكندا، أعادت تعريف أهدافها وتوجُّهاتها واستراتيجيّاتها، في ظلّ المتغيّرات الدوليّة منذ أواخر ثمانينيّات القرن العشرين، بصفةٍ عامّة، والعولمة بصفةٍ خاصّة، ومن ثمّ حدث تغييرٌ أساسيٌّ في خطابها السياسيّ. فقد بات معظم هذه الحركات مُدرِكاً حدود نهج الاستقلال بالمفهوم التقليديّ (أي تكوين دولةٍ جديدة) بالنسبة إلى الأمم الصغيرة، والمعوِّقات الموضوعة عليه. ومن ثمّ تناضل من أجل تحقيق غير هذا الهدف، مثل المشاركة في السيادة أو تعظيم نطاق ومستوى الاستقلال الإقليميّ Regional Autonomy، أو السعي إلى نيل الاعتراف بأنّها –أيّ الحركة القوميّة- تمثِّل أمّةً (وإن كانت بلا دولة) متميّزةً عن غيرها، ولاسيّما الأمّة التي تمثّلها الدولة التي هي جزءٌ منها. ويضيف أنّ هذه الحركات القوميّة أصبحت أقلّ إثنيّة، وغدت تتبنّى معايير إقليميّةً (موضوعيّة) للمواطنة أو للعضويّة في مجتمعها (التوجّه المدنيّ)، وأنّ المواطنين في الأقاليم المتميّزة قوميّاً داخل الدول باتوا يُطبِّقون ما يُعرَف بالهُوِيّة المزدوجة، وربّما المتعدِّدة، بمعنى ازدواج دوائر الهُوِيّة (اسكتلنديّ وبريطانيّ في الوقت نفسه)، أو تعدُّدها (اسكتلنديّ وبريطانيّ وأوروبيّ في الوقت نفسه) ([11]).
وإن كانت هذه النظريّة تنطبق على بعض الإثنيّات القائمة في العالم العربيّ، إلّا أنّ إثنيّاتٍ أخرى ما تزال تنزع باتّجاه الانفصال الجغرافيّ، ووحدة الهُوِيّة المميّزة لأفرادها، وخاصّةً في الفترة اللاحقة لما يعرف بثورات الربيع العربيّ. حيث تتداخل جملة متغيّراتٍ تزيد من نزعاتها الانفصالية، في بيئةٍ باتت تتّسم بطابعها العنفيّ. وهو ما أدّى إلى قيام نزاعاتٍ على عدّة مستوياتٍ من الهُويّة، أبرزها: الدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة، والعرقيّة واللغويّة، والقبليّة والجهويّة.
وقد خلصت الدراسة (في الفصل الأوّل/المبحث الأوّل)، إلى جملةٍ من المقوِّمات اللازمة لقيام نزعةٍ انفصاليّةٍ ذات طابعٍ إثنيّ، تتبلور إمّا بشكلٍ كليٍّ أو بشكلٍ جزئيّ، مشكِّلةً قواعد بنائيّةً يمكن أن تتركّز عليها الدعوات الانفصاليّة، ومن أبزرها في ذلك:
الوعي بتمايز الذات إثنيّاً، عبر تحديد مشتركاتٍ إثنيّةٍ بين الجماعة، ومنها على سبيل المثال: الأرض والسكّان، والتاريخ، والدين، والطموح، والشرعيّة، والحشد الشعبيّ، واللغة، والمعتقدات والقيم المشتركة، والعمق الزمنيّ، والنَسَب المشترك، والعلاقات التاريخيّة الخاصّة بين أفراد الجماعة، وبينهم والأرض المحدَّدة المرغوب فصلها. إضافةً إلى ضرورة وجود نخبٍ إثنيّةٍ قادرةٍ على تحشيد الجماعة الإثنيّة، وامتلاكها أدوات نقل وبثّ الرموز المختارة للهُوِيّة إليها، مع قدرةٍ على تحشيد السكان، باعتبار هذه النخبة هي الحامل السياسيّ لمشروع دولنة جماعةٍ إثنيّة. ويندرج في ذلك قدرة هذه النخبة على تعريف الآخر (المجتمع والسلطة) تعريفاً إثنيّاً يشرعن تعريفها لذاتها.
غير أنّ اجتماع العناصر السابقة (كلاًّ أو جزءً) لا يمكن له منفرداً أن يدفع بالنزعات الانفصاليّة للظهور علناً، دون أن تكون هناك ظروفٌ خارج الجماعة الإثنيّة، تتعلّق بالآخر الإثنيّ، إمّا من داخله أو نتيجة متغيِّراتٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ تؤثِّر فيه، ضمن ما تمّ تسميته بالفرصة السياسيّة التي تسنح للنخب الإثنيّة بتوظيفها في نزعةٍ انفصاليّة.
كما يشكِّل الاعتراف الخارجيّ (الدوليّ)، نقطة انتقالٍ حاسمةً لا يمكن الاستغناء عنها، ففي حال غياب هذا الاعتراف بالجماعة الإثنيّة وبشرعيّة نزعتها أو انفصالها، يغدو استهدافها عسكريّاً وسياسيّاً من قبل الآخر سهلاً، باعتبارها حركة تمرّدٍ مسلّح، أو حتّى حركةً إرهابيّةً تطال سيادة الدولة، وعموماً لا يمكن دولنة إقليمٍ جغرافيٍّ دون اعترافٍ دوليٍّ قانونيّ. فيما كان للخارج أدوارٌ بارزةٌ في إعادة رسم الجغرافيّة الإثنيّة لكثيرٍ من المناطق، سواءً بتقسيمها أو بإعادة تعريف هُوِيّاتها الإثنيّة، وخاصّةً الدينيّة، أو بإعادة تعريف طبيعتها الديموغرافيّة (إبادة، توطين جماعاتٍ سكّانيّةٍ دخيلة، تهجير ...).
كما طرح هذا المبحث، ثلاثة مرتكزاتٍ رئيسةٍ يرى فيها أساس الإدارة الوقائيّة لمنع النزاعات بين المكوّنات الإثنيّة للدولة (وخاصّةً النزاعات ذات الطابع الانفصاليّ)، بما تشمله من مداخل فرعيّةٍ تعمل على تعزيز البناء الدولتيّ على مستوى التعدّد الثقافيّ، وتشكِّل ضمانةً لكافّة المكوِّنات المجتمعيّة، وحتّى الجماعات الانفصاليّة منها.
وتبرز أولى تلك المرتكزات في الديمقراطيّة، التي يتجلّى دورها في الاعتراف بالتنوُّع الثقافيّ في المجتمع، وإقرار حقوق الجماعات الثقافيّة على قدر المساواة فيما بينها، وإفساح المجال أمامها للمشاركة السياسيّة. بما يضمن ترسيخ القيم الديمقراطيّة بشكلٍ يتجاوز الدور الانتخابيّ الإجرائيّ، وقاعدة الأكثريّة/الأقليّة الابتدائيّة. على أن تقوم على مدخلين فرعيّين، وهي الحريّات بتنوّع جدالاتها (الفردّية والجماعيّة)، والليبرالية بشكلها السياسيّ والاقتصاديّ معاً.
أمّا بالنسبة إلى المدخل العلمانيّ، فإنّ الباحث يخلص إلى أنّ إقراراه في المراحل الانتقالية في مجتمعٍ ذي انتماءاتٍ أكثريّةٍ دينيّةٍ (محافظة) كالمجتمعات العربيّة، قد يدفع الأكثريّة إلى التصادم مع الأقليّات نتيجة إحساسها بالتهديد تجاه هُوِيّتها الدينيّة من العلمانيّة. لذا يمكن الاستعاضة عن ذلك بتحويل العلمانيّة إلى مخرجٍ لاحقٍ لعمليّة الانتقال، وبعد إعادة تأهيل المجتمع ثقافيّاً، بحيث يغدو تأصيلها ممكناً بعد إزالة حواجز الخوف من التهديد الثقافيّ، رغم تشبُّث الأقليّات (حتّى بعض الأقليّات الدينيّة المحافظة) بالعلمانيّة كمدخلٍ وليس كمخرجٍ فحسب، إلّا أنّ إقرار حقوق تلك الأقليات في بداية عمليّة التحوّل الديمقراطيّ مباشرة، ودسترة تلك الحقوق، ووجود مؤشِّراتٍ فعليّةٍ على مشاركةٍ سياسيّةٍ واسعةٍ لها، قد يدفعها إلى تأجيل موضوع التحوُّل العلمانيّ حتّى إتمام العمليّات الانتقاليّة الثقافيّة الأخرى.
في حين يتمثّل المرتكز الثاني، في إدارة الدول متعدِّدة الثقافات بشكلٍ خاصّ، وفي إدارة الدول عامّة، عبر آليّات العدالة الاجتماعيّة ومنها السياسيّة والإثنيّة والانتقاليّة، وعبر مداخل الحقوق والحريّات الأساسيّة، إضافةً إلى المداخل القانونيّة والاقتصاديّة لها. حيث قدّم كيملكا مفهوماً مستحدثاً لما أسماه العدالة الإثنيّة في إدارة المجتمعات التعدّديّة.
وتتوضّح أبرز نتائج العدالة، باستدراك أفضل السبل لتحقيق اندماجٍ اجتماعيٍّ بين كافّة المكوِّنات الثقافيّة للمجتمع، بما يصون الهُوِيّة الجامعة للدولة ويمنع تفتُّتها، باعتبار أنّ الاندماج أحد أهمِّ المُخرَجات المنشودة من العدالة. في حين أنّ البديل عن ذلك، سيكون غالباً مَخرَجاً عُنفيّاً، إذ فيما تعمد الأكثريّة الإثنيّة إلى عمليّة هيمنةٍ سياسيّةٍ وثقافيّةٍ على الأقليّات، فإنّ نخب هذه الأخيرة ستُعزِّز مواقفها المُواجِهَة للأكثريّة، من خلال توظيفٍ أكبر للظلم الواقع عليها، وتحشيدٍ شعبويٍّ لإبراز تمايز الذات عن الآخر، ومن ثمّ النزوع إلى أشكالٍ من العلاقة البينيّة قد تبدأ باحتجاجاتٍ ذات منهجٍ عنفيٍّ محدود، وصولاً إلى محاولة الانفصال الذي سيتمّ توظيف كافّة الإمكانات الداخليّة المتاحة والعلاقات الخارجيّة المصلحيّة المتقاطعة مع ذلك، وحينها فإنّ مستوى العنف والعنف المضادّ قد يصل إلى درجاتٍ عليا من المواجهة بين الطرفين.
ويمثّل تقسيم السلطات على المستوى الإقليميّ، الركيزة الثالثة لإدارة النزعات الإثنيّة وقائيّاً في الدولة، من خلال أشكال الفدراليّة والحكم الذاتيّ واللامركزيّة. وهي جميعها آليّاتٌ تدفع إلى مشاركة كافّة المكوِّنات الاجتماعيّة في إدارة شؤونها وفق ما يتّفق مع تطلّعاتها، مع الحفاظ على وحدة كيان الدولة، دون الاضطرار إلى اللجوء إلى آليّات التفكيك التي قد لا تتوافق مع التطلّعات المجتمعيّة من جهة، عدا عمّا تحمله من احتماليّة النزاع على خطوط التقسيم.
على أنّه لا يوجد نمطٌ واحدٌ من أشكال الدول في عمليّة إدارة النزاعات الإثنيّة، إذ تتباين تفضيلات كلّ مجتمعٍ وفقاً لشكل التعدّديّة فيه من جهة، وتبعاً للبعد التاريخيّ لشكل الدولة، ومساحتها. ففي حين تبدو الفدراليّة أكثر مواءمةً في مجتمعاتٍ تعدُّديّة (كالأمريكيّ والكنديّ)، فإنّها ذات مخاطر في الدول صغيرة الحجم، كما أنّها لا تتلاءم مع المجتمعات المتداخلة إثنيّاً بحيث يستعصي الفصل الإقليميّ بين مكوِّناتها، ليبرز البديل اللامركزيّ. في حين أنّ الحكم الذاتي يبقى أحد الأشكال الذي يمنح جماعةً إثنيّةً آليّات إدارة شؤونها ذاتيّاً، دون الانفكاك عن الدولة، ودون تقاسم كافّة السلطات معها، إنّما تنحصر سلطاته في الإطار الإقليميّ، ويبدو الأكثر نمذجةً للدول التي تضمّ جماعاتٍ إثنيّة صغيرة الحجم متركزةً في مناطق محدّدة.
وقدّم المبحث الثاني من الفصل الأول، تحليلاً للتركيبة المجتمعيّة العربيّة، التي تشهد تنوّعاً كبيراً على مستوى العرق والدين والمذهب والطائفة، إضافةً إلى التكوينات القبليّة والمناطقيّة والجهويّة، وتعدُّدٍ لغويّ، يقوم إلى جانب الأكثريّة العربيّة بمذهبها السنيّ على مستوى العالم العربيّ بشكلٍ عامّ، وضمن إطار الثقافة العربيّة-الإسلاميّة، بلغتها وبعدها الحضاريّ. وقد شكَّلت هذه التركيبة في مجملها تنوّعاً ثقافيّاً كان له أن يثري مشروع بناء الدولة العربيّة، ومنه مشروع بناء الأمّة العربيّة، بما تحمله هذه التكوينات من ثراءٍ وتنوّعٍ حضاريّ وثقافيّ. غير أنّ إدارة هذا التنوع الثقافيّ والإثنيّ، عقب حصول الدول العربيّة على استقلالها، بطرقٍ قسريّةٍ وسلطويّة، أدّى إلى تكريس خطوط الفصل الإثنيّ والثقافيّ بين مختلف الجماعات، وصولاً إلى حالة النزاع الأهليّ في غير حالة، وخصوصاً النزاع القائم على البعد المذهبيّ والدينيّ. وقوّضت مجمل هذه النزاعات مشروع استكمال بناء الدولة العربيّة من جهة، وشكَّلت عائقاً أمام المشروع الأكبر، وهو مشروع بناء الأمّة العربيّة وإحداث تكاملٍ قوميٍّ بين مكوِّناتها، وصولاً إلى حالة انهيار الضبط السلطوي، الناجمة عمّا عُرِف بربيع الثورات العربيّة، بحيث شكّل هذا الانهيار مسبِّباً مباشراً في تغذية أسباب النزاعات الأهليّة.
كما رصد هذا المبحث أبرز الإشكاليّات التي تقوم في الدولة العربيّة (الثوريّة تحديداً)، والتي تساهم في تعزيز النزعات الإثنيّة، والنزاعات الانفصاليّة، وتنعكس سلباً على قضيّة التكامل القوميّ. وذلك على عدّة مستويات، هي: البنى السياسيّة، والبنى الاقتصاديّة، والتهديدات الأمنيّة، ودور الإسلام السياسيّ، وأثر العلاقة بين السلطة والمجتمع، وأثر شكل الدولة، كذلك أثر التدخّلات الخارجيّة، والإشكالية الحاصلة في الهوية العربيّة والهويات الفرعيّة بعد الثورات العربيّة.
وسعت الفصول الثلاثة اللاحقة (الثاني والثالث والرابع)، إلى الإجابة عن تساؤلات الدراسة:
-       ما هو تأثير الثورات العربيّة في النزعات الدينيّة والمذهبيّة والطائفيّة؟
-       ما هو تأثير الثورات العربيّة في النزعات الإثنية العرقيّة واللغويّة؟
-       ما هو تأثير الثورات العربيّة في النزعات القبليّة والجهويّة؟
عبر دراسة مجموعة حالات، من خلال تبيان دور العامل الإثنيّ في نزعتها، بناء على المتغيّرات التالية: حجم الجماعة الإثنيّة المدروسة في الدولة، وطبيعة خطاباتها وتفضيلاتها النخبويّة والمجتمعيّة، وأشكال حراكها، وأدوات هذا الحراك، وبنية البيئات السياسيّة والاجتماعيّة التي تقوم فيها، والأدوار السلطويّة تجاهها، وأثر الفعل الاحتجاجي في توجّهاتها، ودورها في الحراك الاحتجاجي، ومستقبل النزاع والجماعة الإثنيّة في الحالة المدروسة. حيث تناولت الدراسة الحالات التالية:
-       الفصل الثاني (دور العامل الديني والمذهبي والطائفي في النزاعات الانفصالية)، ودرس هذا الفصل كلاً من: النزعة المذهبيّة الحوثيّة في اليمن، والنزعة المذهبيّة الشيعيّة في البحرين، والنزعتين المذهبيّتين العلويّة والجهاديّة السنيّة في سورية، والنزاع المذهبيّ الشيعيّ-السنيّ في العراق، والنزعة الدينيّة المسيحيّة في مصر.
-       الفصل الثالث (دور العامل العرقي واللغوي في النزاعات الانفصالية)، ودرس هذا الفصل كلاً من: النزعة العرقيّة الكرديّة في العراق وسوريّة، والنزعة العرقيّة-اللغويّة الأمازيغيّة في المغرب.
-       الفصل الرابع (دور العامل القبلي والجهوي في النزاعات الانفصالية)، ودرس هذا الفصل النزعات القبليّة والجهويّة في ليبيا، والنزعة الجهويّة في جنوب اليمن، والنزعة الجهويّة في إقليم الصحراء المغربيّ.
وأتى الفصل الخامس ليوضِّح أبرز النتائج التي توصّلت إليها الدراسة، من خلال اختبار متغيّرات الدراسة على الحالات المدروسة، وكانت خلاصة تلك النتائج، كما يلي:
من خلال دراسة أثر مجموعة العوامل بشكلٍ منفردٍ عما سواها، ظهرت النتائج وفق اتّجاهين أساسين، حيث ظهر في الاتجاه الأول، عوامل ذات تأثيرٍ مباشر وواضحٍ في النزعات الإثنيّة والانفصاليّة، فيما كان لمجموعة الاتجاه الثاني آثارٌ متباينةٌ في نتائجها (أثر غير مباشر)، أثناء دراستها بشكلٍ منفصلٍ عمّا سواها من متغيّرات. وذلك كما يلي:
أولاً-متغيّراتٌ ذات أثرٍ مباشر، وتشمل:
-       متغيّر طبيعة التمايز الإثنيّ: حيث كان البعد الإثنيّ محدِّداً لكافّة الجماعات المدروسة في توجّهاتها ومطالبها وحراكها.
-       متغيّر طبيعة التوزيع السكانيّ: حيث ارتفع أثره في حالة تركّز الجماعة الإثنيّة، وانخفض في حالة التشتّت، وذلك يظهر في كافّة الحالات.
-       متغيّر أدوات الجماعة الاثنيّة: حيث ارتفع أثره في حالة استخدام الأدوات العسكريّة، وانخفض تدريجيّاً مع انخفاض مستوى الأدوات المستخدمة، ويظهر ذلك في كافّة الحالات.
-       متغيّر دور العامل الخارجيّ: ارتفع تأثيره في حالة الدعم العسكريّ المباشر، وانخفض في حال بقاء هذا الدور منوطاً بالمستوى السياسيّ والإعلاميّ، وذلك في كافّة الحالات.
-       أثر متغير موقف السلطة من الحركة الاحتجاجيّة: لم تشهد سوى المغرب انفتاحاً من قبل السلطة على المطالب الاحتجاجيّة (الأمازيغيّة) وهو ما خفّض من قيمة النزعة الإثنيّة ([12]). في حين أنّ باقي الحالات جميعها شهدت مواجهةً (مسلّحةً في معظمها) بين السلطة والحركات الاحتجاجيّة، أدّت إلى رفع قيمة النزعة الإثنيّة (في البحرين تمّت محاصرتها سلطويّاً لكنها ظلّت قائمة، كما انخفضت النزعة المسيحيّة في مصر بعد تموز/يوليو 2013).
ثانياً-متغيّراتٌ ذات أثرٍ محدودٍ أو غير مباشرٍ أو غير ذات أثرٍ واضح: وفيها تباينت الحالات فيما بينها، ففيما كانت هذه المتغيّرات ذات أثر في بعضها، فإنّ ذات الأثر لم يظهر في أخرى، وهي:
-       متغيّر مستوى النزعات الإثنيّة قبل ثورات الربيع العربيّ.
-       متغيّر مستوى المشاركة في الحركة الاحتجاجيّة.
-       متغيّر حجم الجماعة الإثنيّة.
-       متغيّر أثر مستوى الاستقرار في المرحلة الانتقاليّة.
-       متغيّر المكتسبات الإثنيّة بعد الثورات.
ومن خلال اختبار فرضية الدراسة في المطلب الأخير من هذه الدارسة، وصل الباحث إلى أنّ ثورات الربيع العربيّ، أدّت إلى ارتفاع مستوى التعصّب الإثنيّ، بكافّة مستوياته، ولجوء كثيرٍ من الأفراد والجماعات، إلى هويّاتٍ دون وطنيّة، في المرحلة اللاحقة، وخصوصاً ترافق ذلك في غالبيّة حالات الدراسة، مع تراجع سلطة الدولة ووظيفتها الحمائيّة للمجتمع، وانخفاض قيمة الهويّة الوطنية مقابلها. وهي أسبابٌ أدّت غالباً، إلى إعادة تعريف الذات والآخر وفق الهويّة الإثنيّة، لا الوطنيّة، ما وضع الجماعات الإثنيّة في مواجهة بعضها البعض، أو في مواجهة الدولة، وخصوصاً مع وجود أزماتٍ داخل بنية الدولة العربيّة، سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ وأمنيّةٍ واجتماعيّةٍ وثقافيّة، ظهرت نتائجها مترافقةً مع بعضها البعض، ما أعطى انطباعاً أنّ الثورات هي مسبِّب تلك الأزمات.
وفي إطار بحث الأفراد والجماعات عن آليّات الحماية والأمان من خلال العودة إلى الهويّات الإثنيّة، دون الوطنيّة، والتضامن الأوليّ، ساعد ذلك النخب الإثنيّة في بلورة وعيٍ إثنيٍّ ذي توجّهات انفصاليّة، من خلال التركيز على ما سبق، وطرح فكرة الانفكاك عن الدولة –ذات الأزمات غير قابلة الحلّ-، في إطار كيان سياسيٍّ-إثنيّ، يعالج قضاياه وأزماته منفرداً عن الدولة التي يواجهها. وقد أدّى استخدام السلطات للعنف والعمليّات العسكريّة في مواجهتها إلى ثقيل هذه النزعات، وتحوّلها في غالبية الحالات المدروسة إلى نزاعاتٍ مسلّحةٍ تطوّرت إلى حالة حروبٍ أهليّةٍ في غير حالة، وتحديداً في سورية والعراق واليمن وليبيا.
بحيث تحمل هذه النزاعات أبعاداً انفصاليّةً واضحةً لدى الأكراد وجنوبيّ اليمن وصحراوييّ المغرب وتنظيمات القاعدة، وأبعاداً تسلّطيّةً على الدولة والمجتمع لدى الحوثيّين والعلويّين وشيعة العراق مع امتلاك المقوّمات الانفصاليّة التي تؤهّلهم للتحوّل إليها في حال إخفاق التوجّه التسلّطيّ. وتبقى نزعة شيعة البحرين مطلبيّةً إثنيّةً مع تطلّعٍ تسلّطيّ، وفي حين اكتفت النزعة الأمازيغيّة بتوجّهها المطلبيّ الإثنيّ إلّا أنّها كذلك تبلور مقوِّمات توجّهٍ انفصاليٍّ لاحق. وتتباين توجّهات الجماعات الليبيّة بين الفدراليّة والتقسيم والتسلّطيّة على الدولة. فيما تظلّ نزعة مسيحييّ مصر نزعةً مطلبيّةً إثنيّة.
وممّا أضاف عنصر تثقيلٍ آخر لذلك، في مرحلة ما بعد الربيع العربيّ، هو حجم التدخّل الخارجيّ، لأسبابٍ إثنيّةٍ أو مصلحيّة، مترافقاً بطروحاتٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ لإعادة ترسيم الجغرافيا السياسيّة للعالم العربيّ وفق الهويّات الإثنيّة.
وحيث إنّ الباحث كان يروم منذ بداية هذه الدراسة، إلى استكشاف أفضل السبل السلميّة للحفاظ على شكل الدولة العربيّة (القطريّة)، ومنع تفكّكها، وفق إحدى الوظائف الرئيسة لاقتراب الدراسة (المنهج البنائيّ الوظيفيّ)، فإنّه قدّم في كلّ حالةٍ من الحالات المدروسة، جملة سيناريوهاتٍ لحلّ تلك النزاعات، بشكلٍ يحفظ للدولة العربيّة استمراريّتها (وقائيّ)، وفرص نجاح هذه السيناريوهات، وما يقابلها من احتمالات (تفكّك الدولة إلى عدّة دول، حروبٌ أهليّة، انتهاكاتٌ لحقوق الإنسان، استمرار شكل الدولة مع استمرار حالة النزاعات قائمة).
على أنه مع انتهاء الدراسة، ما تزال السيناريوهات التي تنحو باتّجاه مزيدٍ من النزاعات الأهليّة والانفصاليّة، هي الأكثر حضوراً في غالبيّة حالات الدراسة، وتثقّل احتماليّة تفكيك عدّة دولٍ عربيّة، فيما تبقى فرص السيناريوهات الأخرى (السلميّة) محدودة في المدى المنظور، وتبقى غالبيّة مقوّمات تطبيقها غير متوفّرة، في الفترة التي تمّ فيها إنجاز هذه الدراسة.
وحيث أنّ كثيراً من مسبِّبات التأزم في بنية الدولة العربيّة ما تزال قائمةً ومتفاعلة، عدا عمّا استُجِدّ من أزماتٍ متفاعلة عقب عام 2011، يُضاف إليها ارتفاع مستوى التدخّل الخارجيّ، وكذا مكاسب بعض الجماعات الإثنيّة، واستمرار حالة النزاعات الإثنيّة المسلّحة في غير حالةٍ عربيّة. فإنّه يبدو أنّ البيئة العربيّة ربّما ستشهد مزيداً من الاضطرابات (وربّما الانهيارات)، أو استمرارها على المدى المنظور (على الأقلّ)، وهو ما يعني أنّ النزعات الإثنيّة، وبما تحمله من احتمالاتٍ انفصاليّةً، ستظلّ متفاعلةً في ظلّ هذه البيئة، تهدِّد استمراريّة كيان الدولة العربيّة من جهة، وتُعلي مستوى التهديدات الأمنيّة والاجتماعّية من جهةٍ ثانية، بل وربّما تظهر نزعاتٌ جديدةٌ لم تكن قائمة فترة الدراسة.






([1]) كلمة الإثنية في مصطلح الجماعة الإثنية Ethnique Group، مشتقة من جذر لغوي يوناني Ethnos، يعني "شعب"، ولا يعني "سلالة عرقية"، ويستخدم هذا المصطلح في أدبيات العلوم الاجتماعية المعاصرة بمعنى: "جماعة تعيش مع غيرها من الجماعات في المجتمع نفسه، ولكنها تختلف عن غيرها في أحد المتغيرات الإرثية مثل اللغة والثقافة، أو الدين والمذهب، أو الأصل القومي، أو السلالة العرقية. وتشعر الجماعة نفسها أو الجماعات المتعايشة معها بأهمية هذا الاختلاف، وترتب عليه نتائج سلوكية ملموسة مثل التفرقة في التعامل اليومي أو في الحقوق والواجبات". انظر: سعد الدين إبراهيم وآخرون، المجتمع والدولة في الوطن العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثالثة، 2005)، ص 28.
([2]) للمزيد حول النظرية البنائية-الوظيفية، انظر: جابرييل إيه ألموند وجي بنجهام باويل الابن، السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر: نظرة عالمية، ترجمة: هشام عبد الله (عمان: الدار الأهلية للنشر والتوزيع، الطبعة الخامسة، 1997)، ص 35-81. وانظر كذلك: كمال المنوفي، أصول النظم السياسية المقارنة (الكويت: شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1987)، ص 101-110. وانظر كذلك: عادل عبد الحفيظ، النظرية السياسية المعاصرة: دراسة في النماذج والنظريات التي قدمت لفهم وتحليل عالم السياسة (الإسكندرية: الدار الجامعية، 2006)، ص 163-242.
([3]) حسام الدين علي مجيد، إشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر: جدلية الاندماج والتنوع (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 2010).
([4]) أوموت أوزكيريملي، نظريّات القوميّة: مقدّمة نقديّة، ترجمة: معين الإمام (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2013).
([5]) برهان غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الثالثة، 2012).
([6]) نيفين مسعد، "النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية (الإثنية) في الوطن العربي"، مجلة المستقبل العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 364، حزيران/يونيو 2009).
([7]) عمرو حمزاوي، "تشريح أزمات الدولة العربية"، في: عادل الشرجبي وآخرون، أزمة الدولة في الوطن العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، 2012).
([8]) باقر سلمان النجار، "بين إخفاقات البناء وتعطل الاندماج"، في: مجموعة مؤلفين، جدليات الاندماج الاجتماعي وبناء الدولة والأمة في الوطن العربي (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2014).
([9]) وليد عبد الحي، "نموذج قياس النزعة الانفصالية للأقليات في العالم العربي"، في: المرجع السابق.
([10]) لم تشمل هذه الحالات، النزاعات الانفصالية في السودان، حيث أن جميع حالات الدراسة تقع ضمن دول ثورات الربيع العربي، وهو معيار اختيار حالات الدراسة.
([11]) Michael Keating, "Plurinational Democracy in a Post-Sovereign Order", Queen’s Papers on Europeanisation (Florence: European University Institute, No. 1, 2002), pp 8-10.
([12]) شهدت المغرب عودة للحراك الشعبي منذ تشرين الأول/أكتوبر 2016، ضمن ما عرف بـ "حراك الريف"، انطلاقاً من مدينة الحسيمة في منطقة الريف شمال المغرب، منذ مقتل الشاب محسن فكري في 28/10/2016. واتسع الحراك عام 2017، تحت مطالب حقوقية وقانونية واجتماعية واقتصادية واسعة. ويحمل الحراك في بعض أوجهه المواجهة مع السلطة بشكل سلمي تظاهري، غير أن استمراره ربما يفتح المجال لبروز دعوات إثنية جديدة في المملكة المغربية.