الماجستير



فيما يلي موجز عن الرسالة، يتضمن الفهرس والمقدمة والخاتمة.

يمكن شراء نسخة من الكتاب عبر أمازون، على الرابط التالي




التنافس الدولي في المشرق العربي
(بعد انتهاء الحرب الباردة)

International Competition in the LEVANT (After Cold War)

بحث أعدّ لنيل درجة الماجستير في العلاقات الدولية



إعداد الطالب:
عبد القادر أحمد نعناع


المشرف العلمي المشارك:                                                  المشرف العلمي:           
الدكتور عبد العزيز شحادة المنصور                                              الدكتور خالد المصري   
الأستاذ المساعد في قسم العلاقات الدولية                                                 المدرس في قسم العلاقات الدولي كلية العلوم السياسية–جامعة دمشق                                                              كلية العلوم السياسية–جامعة دمشق

2010



مخطط الدراسة
 المقدمة...........................................................................................1
الفصل الأول: المتغيرات الإقليمية والدولية بعد الحرب الباردة................................13
المبحث الأول: المتغيرات السياسية والاستراتيجية في النظام الدولي..................................15
         المطلب الأول: تطورات النظام الدولي بعد الحرب الباردة.....................................16
         المطلب الثاني: المحددات الفكرية الأمريكية لما بعد الحرب الباردة.............................25
         المطلب الثالث: المداخل الأمريكية إلى النظام الدولي أحادي القطبية..........................31
المبحث الثاني: حراك القوى الكبرى تجاه المشرق العربي............................................41
         المطلب الأول: تباين الحراك الأوروبي......................................................42
         المطلب الثاني: تطورات الحراك الروسي.....................................................53
         المطلب الثالث: محدودية الحراك الصيني...................................................61
المبحث الثالث: توظيفات مجلس الأمن تجاه المشرق العربي........................................67
         المطلب الأول: أثر النظام الدولي في توظيف مجلس الأمن...................................68
         المطلب الثاني: تحليل كمي لقرارات مجلس الأمن الصادرة تجاه قضايا المشرق العربي..............73
         المطلب الثالث: تحليل كيفي لقرارات مجلس الأمن الصادرة تجاه قضايا المشرق العربي.............82
المبحث الرابع: الحراك العربي بعد الحرب الباردة.....................................................95
         المطلب الأول: محددات السلوك العربي.....................................................96
         المطلب الثاني: الحراك السياسي العربي....................................................107
         المطلب الثالث: الحراك العسكري العربي...................................................116
الفصل الثاني: المشاريع المتنافسة في المشرق العربي بعد الحرب البادرة.................131
المبحث الأول: عسكرة المصالح الأمريكي في المشرق العربي......................................133
         المطلب الأول: محددات المشروع الأمريكي................................................134
         المطلب الثاني: آليات المشروع الأمريكي..................................................147
         المطلب الثالث: تطبيقات فرضيتي الدراسة.................................................163
المبحث الثاني: استمرارية الاحتلال الإسرائيلي.....................................................173
         المطلب الأول: محددات المشروع الإسرائيلي...............................................174
         المطلب الثاني: آليات المشروع الإسرائيلي.................................................186
         المطلب الثالث: تطبيقات فرضيتي الدراسة.................................................199
المبحث الثالث: توسيع الامتداد الإيراني في المشرق العربي........................................207
المطلب الأول: محددات المشروع الإيراني.................................................208
المطلب الثاني: أدوات المشروع الإيراني...................................................213
المطلب الثالث: تطبيقات فرضيتي الدراسة.................................................221
المبحث الرابع: تحولات الحراك التركي تجاه المشرق العربي........................................227
المطلب الأول: محددات المشروع التركي..................................................228
المطلب الثاني: آليات المشروع التركي.....................................................234
المطلب الثالث: تطبيقات فرضيتي الدراسة.................................................239
الخاتمة........................................................................................242
مراجع البحث..................................................................................253

المقدمة
يعتبر إقليم المشرق العربي، من أكثر الأقاليم التي شهدت تنافساً بين القوى الدولية للسيطرة عليه، أو لتوسيع مصالحها فيه. فوقع الإقليم تحت حراك عسكري واسع مع نهوض الدول الاستعمارية في التاريخ الحديث، وصولاً إلى تقسيمه بين بريطانيا وفرنسا في أوائل القرن العشرين –وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916- على ما هو عليه إبان هذه الدراسة، وفرض الكيان الإسرائيلي فيه، والذي يشكل قوة خارجية توافقت مع التطلعات الاستعمارية الأوروبية بعد مقترحات مؤتمر بالتيمور.
ورغم معاهدتي السلام الموقعة بين الكيان الإسرائيلي ([1]) من جهة، ومصر والأردن من جهة أخرى، ومحاولات توسيع الإطار السلمي بينه وبين كافة الدول العربية عامة وسورية ولبنان بشكل خاص، إلا أن الكيان الإسرائيلي ما يزال يتسم بخاصية الكيان الاحتلالي الاستيطاني، ودون أن يتمكن من الاندماج في محيطه الإقليمي العربي، ومن ذلك أتت دراسته كقوة خارجية عن الإقليم تسعى لفرض مشروعها فيه.
وقد تنوعت التقسيمات الجغرافية العربية لمصطلح "المشرق العربي"، بين فريقين: يرى أولهما أن المشرق العربي هو المنطقة الواقعة ما بين البحر المتوسط وإيران، أي تلك التي تضم (العراق، سورية، لبنان، فلسطين، الأردن)، ومن أبرز من ذهب هذا المذهب علي الدين هلال و جميل مطر. أما الفريق الآخر، فيرى أن المشرق العربي هو تلك المنطقة الممتدة بين مصر والعراق مروراً ببلاد الشام، واتساعاً يضم الجزيرة العربية، ومن أبرز أتباع هذا الفريق محمد عابد الجابري وجورج قرم. ونتيجة غياب التأصيل الأكاديمي للمدى الجغرافي، لمصطلح المشرق العربي، فإن الباحث قد اعتمد رؤية الفريق الأول في هذه الدراسة.
وبينما ترى مجموعة من الاتجاهات الفكرية في العلاقات الدولية، أن الحراك الخارجي لدولة ما، لا يُعبِّر عن مشروع قائم بحد ذاته، إلا من خلال مجموعة من الوثائق الرسمية التي تعبر عنه، إلا أن الباحث وجد أن حراك القوى المتناولة في هذه الدراسة، ليس حراكاً خالياً من رؤية استراتجية لدور دول التنافس، إنما يأتي ضمن سياقات متصلة من التخطيط لدور الدولة ومصالحها على مستوى العالم والإقليم. فكانت المشاريع ضمن مجموعتين: أولاهما مشاريع قائمة واضحة المعالم (الأمريكية، الإسرائيلية)، وثانية يراها الباحث مشاريع ما تزال قيد التطور تجاهه الإقليم (الإيرانية، التركية).
    وتعود أهمية موضع هذه الدراسة لمجموعة من النقاط، علّ أهمها ما يلي:
-      الأهمية الجيوبولوتيكية: حيث يشكل نقطة وصل بين قارات العالم القديم، ويشرف على ثلاث من أهم بحار العالم (البحر المتوسط، الخليج العربي، البحر الأحمر)، ويقع بين ثلاث قوى إقليمية (إيران، تركيا، الكيان الإسرائيلي).
-      الأهمية الاقتصادية: وأبرزها المخزون النفطي الكبير في العراق، وتنوع الموارد الطبيعية والباطنية فيه.
-      الأهمية السياسية: حيث يقود دول الإقليم، أنظمة (سورية، والعراق سابقاً)، أو حركات شعبية (حزب الله، حركات المقاومة في فلسطين والعراق)، مُناهِضة للمشاريع الخارجية، كما يتشكل الإقليم من أكثرية عربية ذات طموح وحدي قومي، وأكثرية إسلامية متفاعلة مع محيطها الإسلامي.
-      الأهمية العقائدية والإيديولوجية: إذ يشكل الإقليم مهد العقائد السماوية الثلاث وتفرعاتها، والتي تُستغل بشكل سياسي-إيديولوجي لتبرير مشاريع خارجية تسعى إلى إعادة تقسيم الإقليم، وهو ما يشهده الإقليم عبر الطروحات الطائفية ضمن الدين الواحد، أو بين أديان الإقليم، سعياً لتجزئة الانتماءات وتفكيك الهوية الوطنية، إلى هويات دينية وطائفية وعرقية.
-           الأهمية العسكرية: وجدت معظم النظريات الاستراتيجية المعاصرة، أن السيطرة العسكرية على هذا الإقليم، هي جزء ضروري من السيطرة على العالم (**)[2].
ومنذ صعود القوة الأميركية فإن أسطولين أساسيين من قواتها يتموضعان في البحار المحيطة به (المتوسط، الخليج العربي)، عدا عن وجودهما العسكري المباشر في تركيا ودول الخليج العربي، ومن ثم احتلالها لجزء من هذا الإقليم (العراق). كما شكلت دول هذا الإقليم عائقاً عسكرياً لطموحات القوى الإقليمية على أطرافه، فكانت حرب الخليج الأولى (1980–1988) بين العراق وإيران، فيما غزا العراق الكويت عام 1990، واعتبر تهديداً مباشراً للسعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991. فيما تشكل سورية وأطراف المقاومة في لبنان وفلسطين، وكذا العراق قبل احتلاله، عائقاً عسكرياً أمام المشروع الإسرائيلي.
وتنظر تركيا إلى هذا الإقليم باعتباره خطراً محتملاً سواء لناحية تسلل المتمردين الأكراد من العراق إليها، أو من ناحية الإشكاليات الحدودية بينها وبين كل من سورية والعراق.
وقد أخذ التنافس في الإقليم المدروس وجوهاً متعددة، بدءاً من التنافس الفكري، والعقائدي عبر التبشير لديانات أو مذاهب محددة، مروراً بالتنافس الاقتصادي على الامتيازات والتملك والتجارة والاستثمار، وصولاً إلى أعلى مراحل التنافس، متخذاً طابعاً عسكرياً ليتحول إلى صراع بين القوى المتنافسة.
من ذلك، ونتيجة لاتساع دوائر التنافس بين القوى الدولية، فإن الباحث يسعى من خلال هذه الدراسة، إلى دراسة سلوك القوى الدولية العسكري وشبه العسكري، ومبررات ذاك السلوك، انطلاقاً من مصالح تلك القوى. ومن ثم مقارنة مصالح كل مشروع مع حجم عسكرته ضمن الإقليم كمياً.
ويميل الباحث في دراسته هذه لاعتماد فهم المدرسة الواقعية للعلاقات الدولية، باعتبار المصلحة هي المحرك الأساسي لسلوك الدول الخارجي، وباعتبار القوة العسكرية أولى أدوات ذاك السلوك، في ظل غياب سلطة دولية عليا قادرة على ضبط السلوك الدولي، وتوفير السلم العالمي.
حيث يعتبر الباحث أن المصالح الخارجية للدولة هي محور العلاقات الدولية، فإما أن تؤدي إلى تعاون بين الدول، أو إلى تنافس قد يصل حد الصراع فيما بينها. حيث تشكل المصلحة القومية على المستوى الدولي كمية محدودة وليست كمية مطلقة، أي أن حصول طرف ما على كمية كبرى منها، سيؤدي حتماً إلى تقليل كميات الآخرين من مصالحهم، وفي ظل توازن القوى وتعددها يتم توازع تلك المصالح كل وفق حجمه، فيما تنفرد القوة الأعظم بالحصة الأكبر، وتتعزز حصتها بانفرادها على الساحة الدولية (الولايات المتحدة) كقطب أوحد.
من ذلك يبدأ الترابط بين مفهومي المصلحة والقوة في العلاقات الدولية، أي أن توزيع المصالح القومية بين الدول قائم على توزيع القوة فيما بينها، فتحقق كل دولة جزءاً من مصلحتها القومية وفقاً لحجم قوتها. وكلما رأت الدولة أن قوتها بدت أكثر من ذي قبل، اتسعت دائرة مصالحها القومية، وإن لم يتم الإقرار الدولي لها بتلك المصالح المضافة، فإنها تسعى لإثبات مقدار القوة الجديد الذي اكتسبته، والذي بناء عليه تطالب بمصالح أشمل، وأوضح صور ذلك الإثبات توظيف قوتها العسكرية في ذلك.
ويشرح روبرت جيلبين الارتباط الديناميكي بين القوة والمصلحة بأن: "القانون الواقعي للنمو المتفاوت يقضي ضمنياً بأنه مع زيادة القوة لمجموعة ما، أو لإحدى الدول، فإن هذه المجموعة أو الدولة سوف تغريها محاولة زيادة سيطرتها على البيئة، ومن أجل تعزيز أمنها الخاص، فإنها ستحاول توسيع سيطرتها السياسية والاقتصادية والإقليمية، وستحاول تغيير النظام الدولي وفقاً لرؤية جماعات المصالح الخاصة فيها ([3])".
فيما يرى رائد الواقعية مورجنثاو أن: "العلاقات الدولية هي في حقيقتها ليست إلا علاقات قوة لا تخضع إلا لقانون واحد، هو قانون المصالح القومية ([4])".  فيما عرف كلاوزوفيتش الحرب بأنها: "ليست إلا فض النزاع بين المصالح الكبرى عن طريق الدم ([5])".
ويعتقد الباحث أن الدول غالباً ما تتصرف بشكل عقلاني، أي تعد موازنة بين حجم مصالحها وحجم قوتها، حيث تنظر في سعيها لتحقيق مصالحها أنها تتعدي على مصالح الآخرين، مما قد يدفعها للتصادم معهم، وبالتالي اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة، مما يدفعها إما إلى إعلاء مصالحها لثقتها بقوتها العسكرية، أو إلى تخفيض تلك المصالح.
أسئلة الدراسة وفرضياتها: يطمح الباحث أن يجيب على الأسئلة المحورية التالية، وهي:
-      ما الدور الذي مارسته البيئتان الدولية والإقليمية في توجيه سلوك القوى المتنافسة؟
-      ما هي محددات سلوك القوى المتنافسة تجاه المشرق العربي بعد انتهاء الحرب الباردة؟ وما حجم لجوئها للسلوك العسكري تجاه المشرق العربي؟
وبما أن الباحث يسند دراسته إلى معيارَي القوة العسكرية والمصلحة القومية، لذلك تقوم الدراسة على الفرضيتين التاليتين:
-      "تفسر المصلحة القومية للدولة على المستوى الدولي سلوك الدول المتنافسة في المشرق العربي".
-      "قد يؤدي توسيع الدولية لمستوى مصالحها القومية في إقليم المشرق العربي (X) إلى توسيع معايير استخدام القوة العسكرية (Y) لتحقيق تلك المصالح في الإقليم المدروس".
أي إنّ الباحث يفترض وجود علاقة طردية بين كل من المصلحة واستخدام القوة العسكرية، وبحيث تكون المصلحة هي المتغير المستقل، واستخدام القوة المسلحة متغيراً تابعاً لها، ويفترض الباحث تكافئ القيم الحسابية بين المصلحة واستخدام القوة العسكرية: Y   X .

مفاهيم الدراسة:
أ‌-    التعاريف الاسمية:
أولاً–المصلحة القومية: إنّ المصلحة القومية للدولة تتمثّل في مجموعة الأهداف التي تسعى النخب الحاكمة لتحقيقها باعتبارها السبيل الأفضل لرفع مستوى الدولة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وعلى أساس تحديد مجموعة المصالح القومية للدولة يتم تحديد آليات سياستها الخارجية لتحقيقها.
    وترى المدرسة الواقعية، أنّ الدول لا تملك مساحة كبيرة من الاختيارات في تعريف مصالحها القومية، نتيجة للمنظومة الدولية، إذ يتوجب على الدولة تعريف مصالحها بلغة توازن القوى، أي إنّ وضع الدولة في المنظومة الدولية هو المحدّد لمصالحها القومية وبالتالي لسياستها الخارجية. فيما اعتمد الليبراليون في تحديدها على نوع المجتمع الداخلي للدولة، من ناحية تحديد الأهداف أو آليات تنفيذها ([6]).
ثانياً-القوة: وفقاً للمدرسة الواقعية، فإنّ القوة هي قدرة فرد أو مجموعة أو أمة على التأثير في سلوك الآخرين وفق الغايات النهائية المرجوة للطرف المؤثر، أو هي سيطرة الإنسان على عقول الآخرين وأفعالهم، أو هي القدرة على السيادة في النزاع والتغلب على المعوقات. ويعرّف بعض أنصار المدرسة الواقعية القوة بأنّها محصلة القدرات (العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والدبلوماسية وغيرها)، المتوافرة للاستخدام لدى الدولة. بينما يرى آخرون أنّ القوة ليست قيمة حسابية مطلقة تتحدد لكل دولة، كما لو أنّها بمفردها في الفراغ، بل إنّ القوة هي القدرات النسبية مقارنة بالقدرات لدى الدول الأخرى. وكل من المفهومين يفترض رؤية استاتيكية للقوة. أما مفهومها الديناميكي، فيركز على التفاعلات فيما بين الدول، فنفوذ الدولة لا يتحدّد فقط بقدراتها، إنما بوسيلتين أيضاً هما ([7]):
أولاً: إرادتها ورغبتها في استخدام تلك القدرات، وإدراك الدول الأخرى لهذه الإرادة.
ثانياً: سيطرة الدولة ونفوذها على الدول الأخرى، فالقوة هنا يمكن استنتاجها بملاحظة سلوك الدول فيما بينها، فالقوة النسبية للدول هي غالباً ما تتكشف بالمخرجات الناتجة عن التفاعلات التي تجري فيما بينها.
 فيما عرفها روبرت دال بأنّها "القدرة على جعل الآخرين يقومون بأشياء ما كانوا ليقوموا بها لولا ذلك ([8])". ومن ذلك، فإن تحديد معيار اسمي للقوة المسلحة يكون باعتماد هذه المفاهيم مع تثقيل العنصر العسكري.
ب‌- التعاريف الإجرائية:
    يعتبر التنافس إجرائياً، مجموعة الإجراءات والقرارات التي تتخذها القوى، لتحقيق مشاريعها في المشرق العربي. وفيما تتناول الدراسة التنافس في شكله العسكري، القائم على الارتباط بين المصلحة واستخدام القوة العسكرية، فإنّ تعاريفها الإجرائية تتشكل عبر المعايير الكمية التالية:
أولاً–المعايير الكمية للمصلحة القومية على المستوى الدولي: حيث اعتمد الباحث سلماً معيارياً بين الكميتين (1–6)، وفق التقسيمات التالية:
-      حماية الدولة من العدوان الخارجي (الأمن)، ويتمثل بالقيمة (6).
-      حماية الدولة من التدخل في شؤونها الداخلية من قبل الآخرين (السيادة)، ويتمثل بالقيمة (5).
-      تحقيق المنافع السياسية والاقتصادية على المستوى الخارجي (المكاسب)، ويتمثل بالقيمة (4).
-      تحقيق مكانة خارجية (الاحترام الدولي)، ويتمثل بالقيمة (3).
-      تحقيق نفوذ أو سيطرة خارجيين على دول أخرى (وغالباً ما يتم لتمرير ادعاءات أيديولوجية)، ويتمثل بالقيمة (2).
-      تقويض منافسة القوى الأخرى (التفرد)، ويتمثل بالقيمة (1).
ثانياً–المعايير الكمية لاستخدام القوة العسكرية: حيث اعتمد الباحث كذلك على سلم معياري بين الكميتين (1–6)، وفق التقسيمات التالية:
-      قيام الدولة (أ) بتهديد الدولة (ب) باستخدام القوة العسكرية: (تصريحات مسؤولين)، ويتمثل بالقيمة (1).
-      دعم الدولة (أ) جهات تستخدم القوة العسكرية ضدّ الدولة (ب): (تصريحات مسؤولين، وقائع مادية)، ويتمثل بالقيمة (2).
-      فرض الدولة (أ) حصاراً عسكرياً على الدولة (ب) –منفرد أو دولي–، ويتمثل بالقيمة (3).
-      استخدام آني من قبل الدولة (أ) للقوة العسكرية ضدّ الدولة (ب): والمقصود به استخدام القوة العسكرية بشكل محدود ولمرة واحدة وبشكل غير متتال فوراً (ضربة جوية، قصف مدفعي أو صاروخي، اغتيال شخصية سياسية)، ويتمثل بالقيمة (4).
-      اعتماد الدولة (أ) الحرب كحل عسكري ضدّ الدولة (ب): (عمل عسكري بين طرفين يدوم أكثر من 15 يوماً)، ويتمثل بالقيمة (5).
-      قيام الدولة (أ) باحتلال أراضي الدولة (ب): (وجود قوات أجنبية على أراضي الغير بالإكراه – الغزو – لفترة تزيد عن شهر واحد)، ويتمثل بالقيمة (6).

ج‌- المتغيرات الوسيطة:
    شهدت فترة الدراسة جملة من المتغيرات التي قد تنعكس على حجم التوظيف العسكري، وحيث أن المشاريع المتنافسة قائمة قبل تلك المتغيرات، فهي بالتالي متغيرات وسيطة، قد تؤدي إلى تغيير مسار الفرضيتين، وهي:
-      البيئة الدولية: والمقصود بها طبيعة النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب الباردة.
-      دور القوى الكبرى: وهي تلك التي أفرزتها نهاية الحرب الباردة، حيث يتناول الباحث دور القوى الأوروبية وروسيا والصين كمتغيرات وسيطة.
-      المنظمات الدولية: رغم أن النظرية الواقعية لا تولي كثير الاهتمام لهذه المنظمات، إلا أن الباحث وجد من الضروري تناول دورها إزاء المشرق العربي، وخصّ منها على اتساعها، مجلس الأمن، كون سلطاته الدولية أصبحت الأعلى بين أجهزة ومؤسسات الأمم المتحدة بعد الحرب الباردة.
-      البيئة الإقليمية: والمقصود بها دور البيئة المشرقية الحاضنة للتنافس من ناحية، والتفاعلات العربية إزاء التنافسات الحاصلة في هذه البيئة من ناحية أخرى.

أطر الدراسة:
أولاً–الإطار الزمني:
يمتد الإطار الزمني لهذه الدراسة بين عامي 1990 و2008، وقد اختار الباحث عام 1990 بداية للدراسة لعدة اعتبارات أهمها حدوث الغزو العراقي للكويت، وما ترتب عليه من حرب الخليج الثانية بمختلف نتائجها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
أما اختيار الباحث لعام 2008 كنهاية لفترة الدراسة، فإنّ ذلك يعود إلى أنّ العام المذكور قد شهد تحولات كثيرة سواء في تغيّر الإدارة الأميركية مع مطلع عام 2009، وبالتالي حدوث بعض من التحول في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية والعالم، وكذلك حدوث تحولات مهمة من خلال قيام الكيان الإسرائيلي بعدوانه على قطاع غزة في نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009.
ثانياً– الإطار الجغرافي:
    يمتد النطاق الجغرافي لهذه الدراسة لتشمل دول المشرق العربي التالية (العراق، لبنان، فلسطين، سورية، الأردن)، والتي لها تفاعلات جوهرية مع تركيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية، دون إغفال العامل الإسرائيلي في تلك التفاعلات.
ثالثاً–الإطار الموضوعي:
-       تتناول الدراسة التنافس السياسي– العسكري، مع عزل التنافسات التي لم تأخذ طابع معايير استخدام القوة المسلحة، كالتنافسات الاقتصادية والثقافية.
-       تتناول الدراسة السلوك الخارجي المؤدي إلى استخدام معايير القوة العسكرية، مع عزل السلوكيات الأخرى.
-       تقع الدراسة ضمن نظام دولي أحادي.
    إلا أن الباحث قد يتجاوز بعض تلك المحددات لضرورات تقييم فرضيتي الدراسة.

منهجية الدراسة:
    تستند الدراسة في بنائها بشكل رئيس على المنهج المقارن، وذلك من خلال آليات للمقارنة بين النماذج المدروسة، بغية الوصول إلى فهم مشترك واحد لجميع تلك النماذج، وقد اعتمد الباحث لتلك الغاية الآليات التالية:
-       تحديد المصلحة/الأهداف المنشودة للوحدة المدروسة.
-       تحديد آليات السلوك الخارجي للوحدة المدروسة، بما يتوافق مع الأهداف المحددة.
-       تحديد آليات استخدام القوة للوحدة المدروسة في توجهها الخارجي.
-       تحديد معوقات تطور المشروعات المدروسة في المشرق العربي.
    غير أنّ آليات المقارنة تغيرت في دراسة نشاط مجلس الأمن (الفصل الأول–المبحث الثالث)، عبر دراسة فترتين زمنيتين متماثلتين، لتتشكل وفق الآليات التالية:
-       العدد الكلي للقرارات.
-       عدد القرارات الخاصة بالوحدات المدروسة.
    كما استخدم الباحث في جزء من الدراسة منهج تحليل النظم لتبيان محددات سلوك الوحدات المتنافسة في المشرق العربي وآلياته.

الدراسات السابقة:
  رغم أهمية موضوع الدراسة وتعدد الأطروحات السابقة حوله، إلا أنّه بالإمكان إجمالها ضمن اتجاهين اثنين:
الاتجاه الأول: ويمثله كل من أحمد شرف وجيف سمونز والسيد ولد أباه وسيوم بروان، حيث يركّز كلّ منهم على تغيّر النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، وأثره في تشكل المشروع الأمريكي عالمياً، والانعكاسات التي قادت إلى تنافس دولي في المشرق العربي، ودور هذه العوامل في تشكّل أزمات المشرق العربي.
فعلى سبيل المثال، تناول السيد ولد أباه، في كتابه "عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001: الإشكاليات الفكرية والإستراتيجية"، جملة من الطروحات الفكرية حول النظام الدولي ودور الولايات المتحدة فيه، وهو ما أفاد الباحث بربط السلوك الأمريكي بالتنظير الفكري لمشروع أمريكي علمي يشمل في أحد أهم أركانه إقليم المشرق العربي.
أما الاتجاه الثاني: فيمثله مجموعة من الاتجاهات الفكرية، منها دراسات كلّ من حسن نافعة ومحمد السيد سعيد وخليل العناني ومحمد نور الدين، والتي تناولت دراسة مجموعة الأزمات الناشئة في إقليم المشرق العربي بعد انتهاء الحرب الباردة. وخاصة احتلال العراق والعدوان على لبنان، وتداعيات ذلك عربياً وإقليمياً ودولياً، ودور القوى المتنافسة فيه.
ومنها على سبيل المثال، ما طرحه مجموعة من الباحثين في كتاب "الحرب الإسرائيلية على لبنان"، حيث قدمت دراسات باحثيه تحليلاً واسعاً لأبعاد المشروع الإسرائيلي وحجم عسكرته في الإقليم.
فيما تختلف هذه الدراسة عن سابقاتها، بأنّها اتخذت من فرضيات النظرية الواقعية أداة رئيسة في تحليل التنافس الدولي في إقليم المشرق العربي. وتركز على العلاقة بين درجة وطبيعة تعريف الفاعل الدولي لمصلحته القومية على المستوى الدولي، ودرجة استخدامه للقوة العسكرية، وتدخله في إقليم الدراسة. وذلك عبر معايير كمية افتراضية.

وسائل جمع المعلومات:
    اعتمد الباحث على ثلاثة مصادر لجمع البيانات الأساسية للبحث، والتي تقوم على:
-       المصادر المكتبية.      
-       شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).
-       كما قام الباحث بإجراء عمليات إحصائية لعدة بيانات بحثية.

تقسيم الدراسة:
    تقع الدراسة ضمن مقدمة وفصلين وخاتمة. حيث تناول الباحث في الفصل الأول المتغيرات الوسيطة من ناحية طبيعة النظام الدولي بعد نهاية الحرب الباردة، والمتغيرات الفكرية والسياسية الأمريكية التي دفعت الولايات المتحدة إلى التفرد بقيادة النظام الدولي.
    كما تناول الفصل الأول دور كل من القوى الأوروبية الفاعلة وروسيا والصين في مرحلة ما بعد الحرب الباردة تجاه المشرق العربي والسلوك الأمريكي فيه، ودور مجلس الأمن في أهم الأزمات الناشئة في الإقليم المدروس. وانعكاس المتغيرات تلك على السلوك العربي سياسياً وعسكرياً تجاه تلك الأزمات.
    فيما تناول الفصل الثاني من الدراسة أهم المشاريع المتنافسة في إقليم المشرق العربي، والتي حدّدها الباحث بالمشاريع الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية والتركية، من ناحية محدداتها وآليات سلوكها، وتطبيقات ذلك على فرضيتي الدراسة كمياً.
    وتسعى خاتمة الدراسة لضبط الفرضيتين الموضوعتين، والإجابة على تساؤلات الدراسة.




الخاتمة
أفرزت نهاية الحرب الباردة، عدة متغيرات على المستوى الدولي والإقليمي، أدّت في مجملها إلى بروز أزمات إقليمية في مناطق شتى، أبرزها أزمات إقليم المشرق العربي.
فقد أدّى سقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه، إلى تشكيل نظام دولي أحادي القطبية، عملت من خلاله الولايات المتحدة، على إبراز حجم القوة التي تمتلكها على كافة الأصعدة، متجاوزة دعوات العزلة التي طُرحت من قبل النخب الأمريكية، ومستفيدة من التصدي لمجموعة الأزمات الناشئة أو المستمرة بعد الحرب الباردة، والتي لم تستطع القوى الأخرى مواجهتها. فكانت المعالجة الأمريكية تثبيتاً للمصالح الأمريكية بعد الحرب الباردة وترسيخاً لشكل النظام الدولي الأحادي، ومنع تحوله إلى أشكال أخرى، من خلال إعاقة حراك للقوى الأخرى.
إذ انشغلت روسيا –خليفة الاتحاد السوفييتي– خلال العقد الأول ما بعد الحرب الباردة، بإعادة هيكلة الدولة سياسياً واقتصادياً، ومحاولات الخروج من الأزمات الاقتصادية الناجمة عن انهيار النظام الشيوعي. فيما تراوح السلوك الأوروبي بين تيارين، أولهما توافق بشكل تام مع الحراك الأمريكي –وأبرز أعضائه بريطانيا–، بينما تباين سلوك التيار الآخر ما بين محاولات خلق دور أوروبي شبه مستقل عن الولايات المتحدة، وبين التوافق الجزئي مع المشروع الأمريكي –وأبرز أعضائه فرنسا وألمانيا–، ويعود هذا التباين في جزء كبير منه إلى إخفاق تلك الدول في عرقلة الحراك العسكري الأمريكي، وإلى إدراكها لضرورة الولايات المتحدة للحفاظ على النظام الليبرالي. فيما ظلّ السلوك الصيني محدوداً دولياً بمراعاة المصالح الاقتصادية الصينية، والمناورة ضمن المجال الإقليمي الصيني.
وإن كان مجلس الأمن لحظة قيامه قد عبر عن التوازنات الناشئة عن نهاية الحرب العالمية الثانية، فإنّ انتهاء الحرب الباردة وتغيّر النظام الدولي نحو الأحادية القطبية، قد أحدث توازنات جديدة داخل المجلس، تراعي انفراد الولايات المتحدة بالقوة دولياً. فلم تعترض أيّ من القوى دائمة العضوية على السلوك العسكري الأمريكي عبر الفيتو، ولم تلجأ أيّ منها لتقييد ذلك السلوك. فيما استمر توظيف الولايات المتحدة لمجلس الأمن بما يخدم المصالح الأمريكية، عبر إعاقتها لجملة من القرارات قد تضر بتلك المصالح.
وقد ترافقت نهاية الحرب الباردة بالغزو العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية، والتي أخرجت العراق من المعادلات الإقليمية أولاً، ومن ثم أعاد فرز الاصطفافات السياسية العربية، قادت إلى مزيد من التفكك العربي–العربي، وتراجع دور الدولة عسكرياً لصالح الجماعات المسلحة.
ومما عزّز تلك الأوضاع، أحداث الحادي عشر من أيلول، وما ترافق معها من حملة عسكرية أمريكية أدّت إلى احتلال العراق، وجملة من الضغوطات السياسية على الدول العربية، والتهديدات العسكرية، والتي ترافقت مع اعتداءات إسرائيلية مكثفة في فلسطين وجنوب لبنان.
وفيما كان سؤال الدراسة الأول يتناول دور البيئتين الدولية والإقليمية في توجيه سلوك القوى المتنافسة، فإنّ الدراسة خلُصت عبر الفصل الأول، إلى أنّ دور تلك المتغيرات أدى إلى:
-      على المستوى الأمريكي: سهّل النظام الدولي أحادي القطبية الحراك العسكري الأمريكي، حيث قدمت القوى الكبرى الدعم للعمليات العسكرية الأمريكية، أو امتنعت عن اعتراض تلك العمليات. فيما ساهمت قرارات مجلس الأمن في تيسير الاستخدام الأمريكي للقوة العسكرية، وعملت البيئة العربية الرسمية على تسهيل الحراك العسكري الأمريكي، غير أنّ البيئة غير الرسمية كانت معوقاً كبيراً لتلك العمليات، وهو ما قد يعيق جهوداً أمريكية مستقبلية على المستوى العسكري.
-      على المستوى الإسرائيلي أدى تحوّل النظام الدولي لصالح الولايات المتحدة وحدها، ورغم ترافقه بمسيرة مفاوضات سلمية، إلا أنّه كان متوافقاً مع المحددات الإسرائيلية وخاصة الأمنية، وبالتالي سهّل هذا النظام من آليات السلوك الإسرائيلي العسكرية والتفاوضية. فيما لم تعترض أيّة دولة كبرى على المسار العسكري الإسرائيلي بآليات فعالة، واقتصر اعتراض بعض القوى على عدم مراعاة الظروف الإنسانية في حالات العدوان. ولم يستخدم مجلس الأمن أيّة عقوبات على تهديد السلم والأمن الذي أقدمت عليه القوات الإسرائيلية، ولم يطالب مجلس الأمن الكيان الإسرائيلي بالالتزام بأيّ من قراراته. فيما انقسمت البيئة العربية الرسمية تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، وتولت الحركات المسلحة غير الحكومية مهمة التصدي للاعتداءات الإسرائيلية.
-      على المستوى الإيراني: كان النظام الدولي أحادي القطبية عائقاً مهماً أما الحراك الإيراني، بعد تفرد الولايات المتحدة في معالجة القضايا الدولية، فيما وُظّف مجلس الأمن ضد السلوك الإيراني. وأيدت القوى الأوروبية الضغط الأمريكي–الإسرائيلي على إيران، في حين كانت توجهات روسيا والصين نحو إيران مرتبطة بالمصالح الاقتصادية. بينما لم يشكل التيار العربي المناهض لإيران أيّ عائق أمامها.
-      على المستوى التركي: عمل النظام الدولي الأحادي على دفع تركيا إلى المشاركة في الحرب على العراق عام 1991، اعتقاداً منها أنّ ذلك سيمهد لها دوراً في إقليم المشرق العربي، بعد تراجع أهميتها نتيجة انتهاء الحرب الباردة، كما أنّ رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد تكون شكلت حافزاً لإثبات الولاء من جهة والقدرة على الحراك العسكري من جهة أخرى. فيما لم يكن الوضع العربي عائقاً أمام أيّ استخدام تركي للقوة المسلحة.
أما سؤال الدراسة الثاني حول محددات سلوك القوى المتنافسة في المشرق العربي، وحجم القوة العسكرية التي اعتمدتها في سلوكها، فإن الدراسة خلُصت عبر الفصل الثاني، إلى أنّ:
أولاً–على المستوى الأمريكي:
انطلقت الولايات المتحدة في سلوكها فترة الدراسة، من مجموعة المصالح التي صاغتها تجاه المشرق العربي، والتي تمثلت في ترسيخ النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتوفير الأمن للكيان الإسرائيلي، والتحكم بإدارة نفط المنطقة. وتمّ إضافة محددين آخرين بعد أحداث 11 أيلول، هما مكافحة الإرهاب وإعادة تشكيل الصورة الأمريكية عالمياً.
ورغم أنّ مصالح الولايات المتحدة في المشرق العربي، لم تشهد تهديداً للأمن القومي داخل حدود الولايات المتحدة، إنّما تهديداً لتوسيع تلك المصالح على حساب دول الإقليم؛ فإنّ الولايات المتحدة قد لجأت إلى أعلى درجات استخدام القوة في المشرق العربي، عبر احتلال العراق، عدا عن دعمها للكيان الإسرائيلي في اعتداءاته على فلسطين ولبنان. والتهديد الأمريكي لسورية الذي وصل حد استخدام مؤقت للقوة العسكرية عبر قصف مواقع داخل الحدود السورية. أي إنّ الاستخدام الأمريكي للقوة العسكرية كان أكبر من التهديد الذي واجه مصالحها في المشرق العربي.

ثانياً–على المستوى الإسرائيلي:
اعتمد السلوك الإسرائيلي تجاه المشرق العربي، على جملة من المحددات التي كانت قائمة منذ إنشائه، والتي تتمثل في حماية الأمن الإسرائيلي، ومبادئ الإيديولوجية الصهيونية، والإدراك الإسرائيلي لتهديدات المحيط العربي، وضرورة المجال الحيوي للأمن الإسرائيلي، وتهديدات العامل الديموغرافي، ومحاولات الاندماج القسرية ضمن المحيط العربي، وأثر علاقة الكيان الإسرائيلي بالولايات المتحدة على مجمل القوة الإسرائيلية، إضافة إلى معطيات النظام أحادي القطبية.
وحيث أنّ الإدراك الإسرائيلي للتهديدات التي تواجه مصالحه في إقليم المشرق العربي، ترفع من قيمة تلك التهديدات إلى أعلى المستويات، عبر ما تشكله من تهديد أمني وجودي؛ غير أنّ المحيط العربي لم يجأ إلى استخدام القوة العسكرية (فصائل المقاومة) إلا نتيجة للاعتداءات العسكرية الإسرائيلية، أي إنّ التهديد كان نظرياً، فيما كان الاستخدام الإسرائيلي للقوة العسكرية في أعلى مراحله عبر محاولات إعادة احتلال جنوب لينان وقطاع غزة. فكان الاستخدام الإسرائيلي للقوة العسكرية أكبر من حجم المصلحة المُهدَّدة في المشرق العربي.

ثالثاً–على المستوى الإيراني:
اعتمدت إيران في سلوكها تجاه المشرق العربي على جملة محددات، تتمثل في حماية الأمن القومي الإيراني، وفي محاولة تشكيل قوة إقليمية كبرى ذات نفوذ داخل هذا الإقليم. مع إدراك إيراني لطبيعة النظام الدولي وأثره في الحد من السلوك الإيراني بعد نهاية الحرب الباردة.
لذا فإنّ السلوك العسكري الإيراني كان متقارباً مع طبيعة المصالح التي تسعى إيران لتوفيرها، معتمدة على دعم الجماعات المسلحة بما فيها فصائل المقاومة، لمناهضة المشاريع المنافسة، وتوسيع نفوذها في المشرق العربي، وإن كانت قد لجأت عام 1996 لاستخدام آني للقوة العسكرية تجاه العراق بغزو بعض المناطق الحدودية منه.

رابعاً–على المستوى التركي:
    انطلق السلوك التركي تجاه المشرق العربي من محددات الأمن القومي التركي، والهوية التركية عبر بعدها الإسلامي في الإقليم، وطبيعة النظام الدولي التي فرضت على تركيا خلق سلوك يثبِّت دوراً جديداً في النظام أحادي القطبية.
وكان سلوكها العسكري متقارباً من حجم المصلحة المرجوة في الإقليم، فلم يتجاوز استخداماً مؤقتاً للقوة العسكرية في شمال العراق، مع تهديد عسكري لسورية.
إلا أنّ تركيا شهدت تغييراً كبيراً في محددات وآليات سلوكها تجاه المشرق العربي بعد تغير النخبة الحاكمة فيها لصالح القوى الإسلامية (حزب العدالة والتنمية)، وأدّى هذا المتغير الدخيل إلى تعطيل الحراك العسكري التركي لاحقاً، لصالح ما عرف بتصفير المشاكل في السياسة الخارجية التركية، ولصالح الانفتاح التركي على كافة دول الجوار.

حدود التنافس بين مشاريع الدراسة:
    من خلال هذه الدراسة، يجد الباحث، أن مصالح الدول، يمكن إجمالها ضمن فئات رئيسة ثلاث (الأمن، المصالح الاقتصادية، توسيع نفوذ الدولة خارجياً)، وعلى أساسها يمكن تحديد سلوك الدول. وتعتبر المصلحة الأمنية، القاعدة الأساس لتحديد مصالح الدول، والسعي لصيانتها وتعزيزها.
شكل رقم (20)
الفئات الرئيسة لمصالح الدول







المصدر: هذا الشكل من إعداد الباحث من خلال ما توصل إليه في هذه الدراسة
من ذلك، سعى الكيان الإسرائيلي بالتنسيق مع الولايات المتحدة لتقويض نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، باعتبار أن زوال هذا النظام القومي، يشكل أولوية أمنية للكيان الإسرائيلي، وهو ما شكل نقطة التقاء مع المصالح الإيرانية. غير أن العراق الجديد تحت الاحتلال الأمريكي شكل تهديداً للأمن القومي الإيراني، من خلال وجود القوات الأمريكية على الحدود الإيرانية، مع جملة من التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، بضرب إيران، والسعي لقلب النظام الحكم فيها، وكرد على هذا التهديد، قدمت إيران دعماً لعدة جماعات مسلحة داخل العراق، بهدف تقويض الحراك الأمريكي-الإسرائيلي، ومنعه من الامتداد شرقاً باتجاه إيران.
فيما انصب الاهتمام الأمني التركي بتأمين الحدود التركية مع العراق، ومنع المسلحين الأكراد من الوصول إلى الداخل التركي. وهو ما جعلته تركيا مبرراً لتهديد سورية وحشد قواتها على الحدود معها 1998.
إلا أنه ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، تم تخفيض قيمة المصلحة الأمنية، من خلال تعزيز العلاقات مع سورية، وتقليص حجم العمليات العسكرية التركية في شمال العراق بالتنسيق مع الحكومة العراقية لضبط الحدود.
وبينما تعاطى الكيان الإسرائيلي مع فلسطين ولبنان وسورية من المنظور الأمني، بدعم واسع من الولايات المتحدة ، مستخدماً معايير القوة العسكرية تجاهها؛ فإن المنظور الإيراني اختلف عن الحالة العراقية، فالتهديد والعدوان الإسرائيلي على هذهه الدول، لا يشكل تهديداً أمنياً مباشراً على إيران، كما أن العلاقات الإيرانية–السورية وعلاقات إيران مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، تصب في الصالح الإيراني العام، فالمصلحة الإيرانية تمثلت بتأكيد حضورها ودعم حلفائها فقدمت عدة مستويات من الدعم لهذه الأطراف في مواجهة المشروعين الأمريكي والإسرائيلي.
وشهد هذا الطرف من المشرق العربي، توجهاً تركياً سلمياً، داعماً للقضايا المشرقية، في مصلحة تركية تتمثل بخلق دور فاعل في القضايا الإقليمية.
وإن كان للقوى المتنافسة الأربعة، مصالح اقتصادية في إقليم الدراسة، فإن عسكرة حراكها، لم يكن لمصالح اقتصادية بالدرجة الأولى، بقدر ما كان للمصالح الأمنية وتوسيع النفوذ.
مما تقدم، فإنّ فرضية الدراسة الأولى حول دور المصلحة القومية للدولة على المستوى الدولي في تفسير سلوك الدول، كانت واضحة في كافة المشاريع التي تناولتها الدراسة.
أما فرضية الدراسة الثانية، التي ربطت حجم السلوك العسكري بحجم المصالح التي تسعى الدول إلى تحقيقها، فإن الدراسة قد خلُصت إلى أنّ الاستخدام العسكري كان في مشروعين من المشاريع المدروسة (الولايات المتحدة، الكيان الإسرائيلي) أكبر من حجم المصلحة المفترضة، فيما تقارب في المشروعين الآخرين (إيران وتركيا). إذ عملت المتغيرات الوسيطة على تحريك قيمة العسكري بتقييده أو إطلاقه.
شكل رقم (21)

توزيع المصلحة والقوة العسكرية بين القوى المتنافسة
المصدر: هذا الشكل من إعداد الباحث بناء على ما توصل إليه من خلال هذه الدراسة
    إلا أنّ الباحث استنتج متغيراً دخيلاً، قد يكون الأوضح في تفسير ارتفاع قيمة العمل العسكري، حيث يعتقد أنّ حجم أدلجة المصالح القومية للقوى المتنافسة، يشكل سبباً أكبر لإعلاء معايير استخدام القوة العسكرية، أكثر من مفرزات النظام الدولي أحادي القطبية.
وتعتبر الإيديولوجية الصهيونية أكبر مثال على ذلك، لناحية تمثلها عبر احتلال استيطاني مارست خلاله جرائم حرب كبرى، تجاه الشعب العربي في إقليم الدراسة. كما تزايد الدور العسكري الأمريكي عالمياً بعد تبنيها الخطاب الإيديولوجي بدمقرطة العالم وصيانة حقوق الإنسان ونشر المعتقدات الأميركية، إثر نهاية الحرب الباردة. فيما توظِّف إيران الإيديولوجية الدينية في محاولات مد النفوذ والتصدي للمشاريع المنافسة لها في الإقليم.
وقد شهد القرن العشرين إعلاء لدور العامل الإيديولوجي في تبرير المصلح، بحيث كان محركاً أساسياً لكثير من القوى نحو عسكرة جهودها الخارجية في هذا القرن، من ذلك ألمانيا وإيطاليا واليابان أثناء الحرب العالمية الثانية، والتدخلات السوفييتية في عدة مناطق من العالم. وكذلك في الحرب العراقية–الإيرانية.
ويجد الباحث أن من آفاق تطوير واستكمال دراسته هذه، يتمثل بدراسة علاقة الإيديولوجيا باستخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية، سواء على مستوى إقليم الدراسة، أو المستوى الدولي.




([1]) اعتمد الباحث مصطلح الكيان الإسرائيلي، لأن مقومات الدولة القانونية لم تكتمل بعد لديه، فما يزال إقليم الكيان بدون حدود نهائية واضحة، وما زال يستورد شعبه من عدة دول، وتتوزع السلطة فيه بين القيادات الإسرائيلية وبعض مظاهر الحكم الذاتي في الأراضي المحتلة بعد عام 1967.
(**) من أبرز تلك النظريات: نظرية ماكندر حول (قلب العالم)، ونظرية سبيكمان الذي صوّب النظرية السابقة باهتمامه (بالهلال الداخلي) لقلب العالم، وأكثرها معاصرة نظرية برجنسكي حول (رقعة الشطرنج). للمزيد حول النظريات الاستراتيجية، انظر: أكرم الأحمر، الجغرافية السياسية (دمشق: منشورات جامعة دمشق، الطبعة الثانية، 1998).
([3]) فريد زكريا، من الثروة إلى القوة: الجذور الفريدة لدور أميركا العالمي، ترجمة: رضا خليفة (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، الطبعة الأولى، 1999)، ص 29.
([4]) محمد طه بدوي، مدخل إلى علم العلاقات الدولية (بيروت: دار النهضة العربية، 1972)، ص 31.
([5]) المرجع السابق، ص 38.
([6]) جوزيف س. ناي الابن، المنازعات الدولية: مقدمة للنظرية والتاريخ، ترجمة: أحمد الجمل ومجدي كامل (القاهرة: الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، الطبعة الأولى، 1997)، ص 69.
([7]) عادل سيد أحمد، " القوة في العلاقات الدولية ... حرب غزة 2009 نموذجاً"، السياسة الدولية (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 76، نيسان 2009)، ص 107.
([8]) جوزيف س ناي، مرجع سابق، ص 27.